الدين هو الحق اليقين ثم إنهم عادوا وطافوا بجيش الملك كأنما يحرسون فبينما يوقنا قد ذهب بأصحابه من عند صاحب رومية وقد قوي عزمهم على ما ذكرنا من أمر كبسهم الملك وإذا بالحاجب قد لقيه والمشاعل بين يديه وقد خرج من أنطاكية ومعه ضرار بن الأزور ورفاعة بن زهير والمائتا أسير وقد عول على قتلهم وان يرمي غدا برؤوسهم إلى المسلمين فلما سمع يوقنا ذلك ضاقت الدنيا عليه وقال له أيها الحاجب الكبير أنت تعلم أن المصاف غدا واقع بيننا وبينهم فان أنتم قتلتم هؤلاء ورميت برؤوسهم إلى المسلمين فإنهم لا يقعون بأحد منا فيبقون عليه فاتق الله ولا تعجل بذلك ودعهم عندي وراجع الملك في امرهم إلى أن نرى ما يؤول أمرهم اليه قال فتركهم الحاجب عند يوقنا ومضى إلى الملك وأخبره بما قال يوقنا فقال له دعهم عند الدمستق فرجع اليه وقال له الملك يقول لك احتفظ عليهم فأمرهم لك فاخذهم يوقنا وسار بهم إلى خيمته وصعب عليه اخراجهم من أنطاكية لأنه كان قد عول على أن يملك بهم البلد فلما حلوا في خيمته حلهم من الوثاق وسلم إليهم العدد وأخبرهم بما قد عزم عليه هو وصاحب رومية من القبض على الملك هرقل فقال ضرار والله لارضين الرب غدا بجهادنا وكانت قد ختمت جراحاته لأنه كان في الأسر ثمانية أشهر وفرقتم مع بني عمه قال الواقدي حدثنا أبو محمد عن سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن مسعود أن الذي أمر باخراج الاسرى لم يكن هرقل وانما كان مملوكه الخاص واسمه تاليس بن رينوس وكان قد ألبسه تاجه ومنطقته وكان أشبه الخلق به وقال له كن غدا مكاني فاني أريد أن أكيد العرب وأكمن خلفهم وما ذاك الا انه رأى في نومه كأن شخصا قد نزل من السماء وقلبه عن سريره وكأن تاجه قد طار من على رأسه وكأن شخصا يقول له قد قرب ما بعد وقد زال ملكك من سورية وقد ذهبت دولة الشقاق والنفاق وجاءت دولة الوفاق وكأن ذلك الشخص قد نفخ في عسكره فأوقد نارا فاستيقظ مرعوبا وفسر منامه على نفسه بزوال ملكه وكان قبل نزول العرب قد عبى خزائنه وجمع ما يخاف عليه من التحف ووضعها في المراكب من حيث لا يعلم بذلك أحد من دولته وعبى الزاد والماء ثم أنه ارسل أهل بيته في تلك الليلة بعدما رأى في المنام ولم يدع من حريمه وأولاده وعياله أحدا وبعده أمر مملوكه تاليس بن رينوس بما أمره أن يفعله قال فلما ركب تاليس فما كان من أمره الا أن قال للحاجب اخرج الأسارى واضرب رقابهم فأخرجهم وأخذهم يوقنا كما وصفنا قال حدثنا ياسر عن سليمان بن عبد الواحد عن صفوان بن بشر عن عروة بن مذعور عن محمد بن علي عن عدي عن شعبة عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن ابن سعد قال ما خرج هرقل من أنطاكية الا وهو مسلم وذلك أنه كتب إلى عمر بن الخطاب في السر عن قومه ان بي صداعا لا يسكن فانفذ إلي بدواء أتداوى به فأرسل اليه قلنسوة فكان إذا وضعها على
(٣٠٦)