فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
فقال والله اني لأجيبه حيث دعاني ثم قام أبو عبيدة وجماعة من الامراء والصحابة ومعه ترجمان فلما وقف بإزائه قال لهم الترجمان ما الذي تريدون منا في هذه البلدة المقدسة ومن قصدها يوشك أن الله يغضب عليه ويهلكه فأخبره الترجمان بذلك فقال قل لهم نعم انها شريفة ومنها أسرى بنبينا إلى السماء ودنا من ربه كقاب قوسين أو أدنى وانها معدن الأنبياء وقبورهم فيها ونحن أحق منكم بها ولا نزال عليها أو يملكنا الله إياها كما ملكنا غيرها قال البترك فما الذي تريدون منا قال أبو عبيدة خصلة من ثلاث أولها أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله فان أجبتم إلى هذه الكلمة كان لكم ما لنا وعليكم ما علينا قال البترك انها كلمة عظيمة ونحن قائلوها الا ان نبيكم محمدا ما نقول إنه رسول قال أبو عبيدة كذبت يا عدو الله انك لم توحد قط وقد أخبرنا الله في كتابه انكم تقولون المسيح ابن الله لا إله إلا الله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا قال البترك هذه خصلة لا نجيبكم إليها فما الخصلة الثانية فقال أبو عبيدة تصالحوننا عن بلدكم أو تؤدون الجزية الينا عن يد وأنتم صاغرون كما أداها غيركم من أهل الشام قال البترك هذه الخصلة أعظم علينا من الأولى وما كنا بالذي يدخل تحت الذل والصغار أبدا فقال أبو عبيدة ما نزال نقاتلكم حتى يظفرنا الله بكم ونستعبد أولادكم ونساءكم ونقتل منكم من خالف كلمة التوحيد وعكف على كلمة الكفر فقال البترك فأنا لا نسلم مدينتنا أو نهلك عن آخرنا وكيف نسلمها وقد استعددنا بآلة الحرب والحصار وفيها العدة الحسنة والرجال الشداد ولسنا كمن لاقيتم من أهل المدن الذين أذعنوا لكم بالجزية فإنهم قوم غضب عليهم المسيح فأدخلهم تحت طاعتكم ونحن في بلد من إذا سأل المسيح ودعاه أجاب دعوته فقال أبو عبيدة كذبت والله يا عدو الله ما المسيح بن مريح الا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام فقال أنا أقسم بالمسيح أنكم لو أقمتم علينا عشرين سنة ما فتحتموها ابدا وانما تفتح لرجل صفته ونعته في كتبنا ولسنا نجد صفته ونعته معك أبدا فقال أبو عبيدة وما صفة من يفتح مدينتكم قال البترك لا نخبركم بصفته لكن نجد في كتبنا وما قرأناه من علمنا أنه يفتح هذه البلدة صاحب محمد اسمه عمر يعرف بالفاروق وهو رجل شديد لا تأخذه في الله لومة لائم ولسنا نرى صفته فيكم قال فلما سمع أبو عبيدة ذلك من كلام البترك تبسم ضاحكا وقال فتحنا البلد ورب الكعبة ثم أقبل عليه وقال له إذا رأيت الرجل تعرفه قال نعم وكيف لا أعرفه وصفته عندي وعدد سنينه وأيامه قال أبو عبيدة هو والله خليفتنا وصاحب نبينا فقال البترك ان كان الامر كما ذكرت فقد علمت صدق قولنا فاحقن الدماء وابعث إلى صاحبك يأت فإذا رأيناه وتبيناه وعرفنا صفته ونعته فتحنا له البلد من غير هم ولا نكد وأعطينا الجزية فقال أبو عبيدة فاني أبعث اليه بأن يقوم علينا أفتحبونا
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 ... » »»