والثاني على جهة التحديد وذلك أنها لو لم تتميز هذه الصنائع بعضها من بعض بالفعل حتى تعرف قوانين كل واحد منها على انفرادها متميزة عن قوانين الأخرى لم يأمن الإنسان عند التماس الحق واليقين أن يستعمل الأشياء الجدلية من حيث لا يشعر أنها جدلية فيعدل من اليقين إلى الظنون القوية ويكون قد استعمل من حيث لا يشعر أمورا خطبية فيعدل به إلى الإقناع أو يكون قد استعمل المغالطات من حيث لا يشعر وإما أن توهمه فيهما ليس بحق إنه حق فيعتقده وإما أن يكون قد استعمل الأشياء الشعرية من حيث لا يشعر أنها شعرية فيكون قد عمل في اعتقاداته على التخيلات وعند نفسه أنه سلك في كل هذه الأقوال الطريق إلى الحق وصادف متلمسه فلا يكون صادفه على الحقيقة كما أن الذي لا يعرف الأزمنة والأدوية ولا تتميز له السموم عن هذه بالفعل حتى يتقن معرفتها بعلاماتها لم يأمن أن يتناولها على أنها داء أو دواء من حيث لا يشعر فيتلف وأما على القصد الثاني فإنه يكون قد أعطى كل صناعة من الصنائع الأربع جميع ما تلتئم به تلك الصناعة حتى يدري الإنسان إذا أراد أن يصير جدليا بارعا كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي شيء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله وليعلم هل سلك فيها طريق الجدل ويدري إذا أراد أن يصير خطيبا بارعا كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره أقاويله ويعلم هل سلك في ذلك طريق الخطابة أو أي طريق غيرها وكذلك يدري إذا أراد أن يصير شاعرا بارعا كم شيء يحتاج إلى تعلمه ويدري بأي الأشياء يمتحن على نفسه أو على غيره من الشعر ويدري هل سلك في أقاويله طريق الشعراء أو عدل عنه وخلط به طريقا غيره وكذلك يدير إذا أراد أن تكون له القدرة على أن يغالط غيره ولا يغالطه أحد كم شيء يحتاج إلى أن يعلمه فيدري بأي الأشياء يمكن أن يمتحن كل قول وكل رأي فيعلم هل غالط فيه أو غولط ومن أي جهة كان ذلك وصية أرسطوطاليس قال بطليموس في كتابه إلى غلس في سيرة أرسطوطاليس ولما حضرت أرسطوطاليس الوفاة أوصى بهذه الوصية التي نحن ذاكروها قال إني جعلت وصيي أبدا في جميع ما خلفت انطيبطرس وإلى أن يقدم نيقاتر فليكن أرسطومانس وطيمارخس وأبرخس وديوطالس معتنين بتفقد ما يحتاج إلى تفقده والعناية بما ينبغي أن يعنى به من أمر أهلي وأربليس جاريتي وسائر جواري وعبيدي وما خلفت وإن سهل على ثاورسطس وأمكنه القيام معهم في ذلك كان معهم ومتى أدركت ابنتي تولى أمرها نيقاتر وإن حدث بها حدث الموت قبل أن تتزوج أو بعد ذلك من غير أن يكون لها ولد فالأمر مردود إلى نيقاتر
(٩٤)