عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٩٠
ويلطف أذهانهم وأيضا تعظيما له بعد موته وأسفا على فراقه وحزنا لأجل الفجيعة به وما فقدوه من ينابيع الحكمة وقال المسعودي في كتاب المسالك والممالك أن المدينة الكبرى التي تسمى بالرم من جزيرة صقلية فيها مسجد الجامع الأكبر وكان بيعة للروم فيه هيكل عظيم قال وسمعت بعض المنظفين يقول أن حكيم يونان يعني أرسطوطاليس في خشبة معلق في هذا الهيكل الذي قد اتخذه المسلمون مسجدا وأن النصارى كانت تعظم قدره وتستشفي به لما شاهدت اليونانية عليه من إكباره وإعظامه وأن السبب في تعليقه بين السماء والأرض ما كان الناس يلاقونه عند الاستشفاء والاستسقاء والأمور المهمة التي توجب الفزع إلى الله تعالى والتقرب إليه في حين الشدة والهلكة وعند وطء بعضهم لبعض قال المسعودي وقد رأيت هناك خشبة عظيمة يوشك أن يكون القبر فيها وقال المبشر بن فاتك وكان أرسطوطاليس كثير التلاميذ من الملوك وأبناء الملوك وغيرهم منهم ثاوفرسطس وأذيموس والاسكندروس الملك وأرمينوس وأسخولوس وغيرهم من الأفاضل المشهورين بالعلم المبرزين في الحكمة المعروفين بشرف النسب وقام من بعده ليعلم حكمته التي صنفها وجلس على كرسيه وورث مرتبته ابن خالته ثاوفرسطس ومعه رجلان يعينانه على ذلك ويؤازرانه يسمى أحدهما أرمينوس والآخر أسخولوس وصنفوا كتبا كثيرة في المنطق والحكمة وخلف من الولد ابنا صغيرا يقال له نيقوماخس وابنة صغيرة أيضا وخلف مالا كثيرا وعبيدا وأماء كثيرة وغير ذلك قال وكان أرسطوطاليس أبيض أجلح قليلا حسن القامة عظيم العظام صغير العينين كث اللحية أشهل العينين أقنى الأنف صغير الفم عريض الصدر يسرع في مشيته إذا خلا ويبطئ إذا كان مع أصحابه ناظرا في الكتب دائما لا يهذي ويقف عند كل كلمة ويطيل الإطراق عند السؤال قليل الجواب يتنقل في أوقاف النهار في الفيافي ونحو الأنهار محبا لاستماع الألحان والاجتماع بأهل الرياضات وأصحاب الجدل منصفا من نفسه إذا خصم معترفا بموضع الإصابة والخطأ معتدلا في الملابس والمآكل والمشارب والمناكح والحركات بيده آلة النجوم والساعات وقال حنين ابن إسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء كان منقوشا على فص خاتم أرسطوطاليس المنكر لما يعلم أعلم من المقر بما يعلم
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»