عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٩٩
واليقين بالصبر والصبر بالفكر فإذا فكرت في الدنيا لم تجدها أهلا لأن تكرمها بهوان الآخرة لأن الدنيا دار بلاء ومنزل بلغة وقال إذا أردت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم تكن له القناعة فليس المال مغنيه وإن كثر وقال اعلم أن من علامة تنقل الدنيا وكدر عيشها أنه لا يصلح منها جانب إلا بفساد جانب آخر ولا سبيل لصاحبها إلى عز إلا بإذلال ولا استغناء إلا بافتقار واعلم أنها ربما أصيبت بغير حزم في الرأي ولا فضل في الدين فإن أصبت حاجتك منها وأنت مخطئ أو أدبرت عنك وأنت مصيب فلا يستخفنك ذلك إلى معاودة الخطأ ومجانبة الصواب وقال لا تبطل عمرا في غير نفع ولا تضع لك مالا في غير حق ولا تصرف لك قوة في غير عناء ولا تعدل لك رأيا في غير رشد فعليك بالحفظ لما أتيت من ذلك والجد فيه وخاصة في العمر الذي كل شيء مستفاد سواه وإن كان لا بد لك من اشغال نفسك بلذة فلتكن في محادثة العلماء ودرس كتب الحكمة وقال اعلم أنه ليس من أحد يخلو من عيب ولا من حسنة فلا يمنعك عيب رجل من الاستعانة به فيما لا نقص به ولا يحملنك ما في رجل من الحسنات على الاستعانة به فيما لا معونة عنده عليه واعلم أن كثرة أعوان السوء أضر عليك من فقد أعوان الصدق وقال العدل ميزان الله عز وجل في أرضه وبه يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل فمن أزال ميزان الله عما وضعه بين عباده فقد جهل أعظم الجهالة واعتز بالله سبحانه أشد اعتزازا وقال العالم يعرف الجاهل لأنه كان جاهلا والجاهل لا يعرف العالم لأنه لم يكن عالما وقال ليس طلبي للعلم طمعا في بلوغ قاصيته ولا الاستيلاء على غايته ولكن التماسا لما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه وقال اطلب الغنى الذي لا يفنى والحياة التي لا تتغير والملك الذي لا يزول والبقاء الذي لا يضمحل وقال أصلح نفسك لنفسك يكن الناس تبعا لك وقال كن رؤوفا رحيما ولا تكن رأفتك ورحمتك فسادا لمن يستحق العقوبة ويصلحه الأدب وقال خذ نفسك بإثبات السنة فإن فيها إكمال التقى وقال افترص من عدوك الفرصة
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»