عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٨٨
للأمور فيما بين ملوك دهره وبين العوام فيما يصلح به أمورهم ويجتلب به المنافع إليهم ولكثرة ما عقد من المنن والإحسان في هذا الباب صار أهل أثينية إلى أن اجتمعوا وتعاقدوا على أن كتبوا كتابا نقشوه في عمود من الحجارة وصيروه على البرج العالي الذي في المدينة وذكروا فيما كتبوا على ذلك العمود أن أرسطوطاليس بن نيقوخامس الذي من أهل أسطاغيرا قد استحق بما كان عليه من اصطناع المعروف وكثرة الأيادي والمنن وما يخص به أهل أثينية من ذلك ومن قيامه عند فيليبس الملك بما أصلح شأنهم وبلغ به الإحسان إليهم أن يتبين صناعة أهل أثينية عليه بجميل ما أتى من ذلك ويقروا له بالفضل والرئاسة ويوجبوا له الحفظ والحياطة وأهل الرئاسات فيهم هو نفسه وعقبه من بعده والقيام لهم بكل ما التمسوه من حوائجهم وأمورهم وقد كان رجل من أهل أثينية يقال له أيماراوس بعد اجتماع أهل أثينية على ما اجتمعوا عليه من هذا الكتاب شذ عن جماعتهم وقال بخلاف قولهم في أمر أرسطوطاليس ووثب على العمود الذي كان قد اجتمع أهل أثينية على أن كتبوا فيه ما كتبوا من الثناء ونصبوه في الموضع الذي يسمى أعلى المدينة فرمى به عن موضعه فظفر به بعد أن صنع ما صنع أنطينوس فقتله ثم أن رجلا من أهل أثينية يسمي أصطفانوس وجماعة معه عمدوا إلى عمود حجارة فكتبوا فيه من الثناء على أرسطوطاليس شبيها بما كان على العمود الأول وأثبتوا مع ذلك ذكر أيماراوس الذي رمى بالعمود وفعله ما فعل وأوجبوا لعنه والبراءة منه ولما أن مات فيلبس وملك الإسكندر بعده وشخص عن بلاده لمحاربة الأمم وحاز بلاد آسيا صار أرسطوطاليس إلى التبتل والتخلي عما كان فيه من الاتصال بأمور الملوك والملابسة لهم وصار إلى أثينية فهيأ موضع التعليم الذي ذكرناه فيما تقدم وهو المنسوب إلى الفلاسفة المشائين وأقبل على العناية بمصالح الناس ورفد الضعفاء وأهل الفاقة وتزويج الأيامى وعول اليتامى والعناية بتربيتهم ورفد الملتمسين للتعلم والتأدب من كانوا وأي نوع من العلم والأدب طلبوا ومعونتهم على ذلك وإنهاضهم والصدقات على الفقراء وإقامة المصالح في المدن وجدد بناء مدينته وهي مدينة أسطاغيرا ولم ينزل في الغاية من لين الجانب والتواضع وحسن اللقاء للصغير والكبير والقوي والضعيف وأما قيامه بأمور أصدقائه فلا يوصف ويدل على ذلك ما كتبه أصحاب السير واتفاقهم جميعاعلى ما كتبوه من خبر أرسطوطاليس وسيرته وقال الأمير المبشر بن فاتك في كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم أن أرسطوطاليس لما بلغ ثماني سنين حمله أبوه إلى بلاد أثينية وهي المعروفة ببلاد الحكماء وأقام في لوقين منها فضمه أبوه إلى الشعراء والبلغاء والنحويين فأقام متعلما منهم تسع سنين وكان اسم
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»