عز الدين بن السويدي هو الحكيم الأجل الأوحد العالم أبو إسحق إبراهيم بن محمد من ولد سعد بن معاذ من الأوس مولده في سنة ستمائة بدمشق ونشأ بها وهو علامة أوانه وأوحد زمانه مجموع الفضائل كثير الفواضل كريم الأبوة عزيز الفتوة وافر السخاء حافظ الإخاء واشتغل بصناعة الطب حتى أتقنها إتقانا لا مزيد عليه ولم يصل أحد من أربابها إلى ما وصل إليه قد حصل كلياتها واشتمل على جزئياتها واجتمع مع أفاضل الأطباء ولازم أكابر الحكماء وأخذ ما عندهم من الفوائد الطبية والأسرار الحكمية مثل شيخنا الحكيم مهذب الدين عبد الرحيم بن علي وغيره وقرأ أيضا في علم الأدب حتى بلغ فيه أعلى الرتب وأتقن العربية وبرع في العلوم الأدبية وشعره فهو الذي عجز عنه كل شاعر وقصرت عنه الأوائل والأواخر لما قد حواه من الألفاظ الفصيحة والمعاني الصحيحة والتجنيس الصنيع والتطبيق البديع فهو الجامع لأجناس العلوم الحاوي لأنواع المنثور والمنظوم وهو أسرع الناس بديهة في قول الشعر وأحسنهم إنشادا ولقد رأيت منه في أوقات ينشد شعرا على البديهة في معان مختلفة لا يقدر عليها أحد سواه ولا يختص بهذا الفن إلا إياه وكان أبوه رحمه الله تاجرا من السويداء بحوران حسن الأخلاق طيب الأعراق لطيف المقال جميل الأفعال وكان صديقا لأبي وبينهما مودة أكيدة وصحبة حميدة وكنت أنا وعز الدين أيضا في المكتب عند الشيخ أبي بكر الصقلي رحمه الله فالمودة بيننا من القدم باقية على طول الزمان نامية في كل حين وأوان والحكيم عز الدين من أجل الأطباء قدرا وأفضلهم ذكرا وأعرف مداواة وألطف مداراة وانجع علاجا وأوضح منهاجا ولم يزل طبيبا في البيمارستان النوري يحصل به للمرضى نهاية الأغراض في إزالة الأمراض وأفضل المنحة في اجتلاب الصحة وخدم أيضا في البيمارستان بباب البريد وتردد إلى قلعة دمشق وكان مدرس الدخوارية وكان له جامكية في هذه الأربع جهات وكتب عز الدين بخطه كتبا كثيرة جدا في الطب وغيره فمنها خط منسوب طريقة أبن البواب ومنها خط يشابه مولد الكوفي وكل واحد من خطيه فهو أبهى من الأنجم الزواهر وأزهى من فاخر الجواهر وأحسن من الرياض المونقة وأنور من الشمس المشرقة وحكى لي أنه كتب ثلاث نسخ من كتاب القانون لابن سينا ولما كان في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وصل إلى دمشق تاجر من بلاد العجم ومعه نسخة من شرح ابن أبي صادق لكتاب منافع الأعضاء لجالينوس وهي صحيحة معقولة من خط المصنف ولم يكن قبل ذلك منها نسخة في الشام فحملها أبي فكتب إليه عز الدين بن السويدي قصيدة مديحا فمما على خاطري منها يقول
(٧٥٩)