الفلسفة حسن الدراية لها متقنا لغوامضها وكان يدرس صناعة الطب وينظم متوسطا وربما ضمنه ملحا من الحكمة وأكثر ما كان يقوله دوبيت وله تصانيف في الحكمة وفي الطب وخدم الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وبقي معه سنين كثيرة في الشرق إلى أن توفي في الخدمة وكان الملك الأشرف يحترمه غاية الاحترام ويكرمه كل الإكرام ويعتمد عليه في صناعة الطب وله منه الجامكية الوافرة والصلات المتواترة وتوفي صدقة بمدينة حران في سنة نيف وعشرين وستمائة وخلف مالا جزيلا ولم يكن له ولد ومن كلامه مما نقلته من خطه قال الصوم منع البدن من الغذاء وكف الحواس عن الخطاء والجوارح عن الآثام وهو كف الجميع عما يلهي عن ذكر الله وقال اعلم أن جميع الطاعات ترى إلا الصوم لا يراه إلا الله فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد وللصوم ثلاث درجات صوم العموم وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة وصوم الخصوص وهو كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنياوية وكفه عما سوى الله تعالى وقال ما كان من الرطوبات الخارجة من الباطن ليس مستحيلا وليس له مقر فهو طاهر كالدمع والعرق واللعاب والمخاط وأما ما له مقر وهو مستحيل فهو نجس كالبول والروث وقال اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزر لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإن يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفا بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له على الفرصة ومنزلته منزلة الآلة التي يتوصل بها إلى نيل البغية ومنزلة السور الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد يصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفا بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استخصه والإيثار لمن قربه وقال صبر العفيف ظريف ومن شعره قال (سلوه لما صدني تيها ولم هجرا * وأورث الجفن بعد الرقدة السهرا) (وقد جفاني بلا ذنب ولا سبب * وقد وفيت بميثاقي فلم غدرا) (يا للرجال قفوا واستشرحوا خبري * مني فغيري لم يصدقكم خبرا) (إن لنت ذلا قسا عزا علي وإن * دانيته بان أو آنسته نفرا)
(٧١٨)