قال ولما كان في سنة خمس وثمانين وخمسمائة حيث لم يبق ببغداد من يأخذ بقلبي ويملأ عيني ويحل ما يشكل عليه دخلت الموصل فلم أجد فيها بغيتي لكن وجدت الكمال بن يونس جيدا في الرياضيات والفقه متطرفا من باقي أجزاء الحكمة قد استغرق عقله ووقته حب الكيمياء وعملها حتى صار يستخف بكل ما عداها واجتمع إلي جماعة كثيرة وعرضت علي مناصب فاخترت منها مدرسة ابن مهاجر المعلقة ودار الحديث التي تحتها وأقمت بالموصل سنة في اشتغال دائم متواصل ليلا ونهارا وزعم أهل الموصل أنهم لم يروا من أحد قبلي ما رأوا مني من سعة المحفوظ وسرعة وسكون الطائر وسمعت الناس يهرجون في حديث الشهاب السهروردي المتفلسف ويعتقدون أنه قد فاق الأولين والآخرين وأن تصانيفه فوق تصانيف القدماء فهممت لقصده ثم أدركني التوفيق فطلبت من ابن يونس شيئا من تصانيفه وكان أيضا معتقدا فيها فوقعت على التلويحات واللمحة والمعارج فصادفت فيها ما يدل على جهل أهل الزمان ووجدت لي تعاليق كثيرة لا أرتضيها هي خير من كلام هذا الأنوك وفي أثناء كلامه يثبت حروفا مقطعة يوهم بها أمثاله أنها أسرار إلهيه قال ولما دخلت دمشق وجدت فيها من أعيان بغداد والبلاد ممن جمعهم الإحسان الصلاحي جمعا كثيرا منهم جمال الدين عبد اللطيف ولد الشيخ أبي النجيب وجماعة بقيت من بيت رئيس الرؤساء وابن طلحة الكاتب وبيت ابن جهير وابن العطار المقتول الوزير وابن هبيرة الوزير واجتمعت بالكندي البغدادي النحوي وجرى بيننا مباحثات وكان شيخا بهيا ذكيا مثريا له جانب من السلطان لكنه كان معجبا بنفسه مؤذيا لجليسه وجرت بيننا مباحثات فأظهرني الله تعالى عليه في مسائل كثيرة ثم إني أهملت جانبه فكان يتأذى بإهمالي له أكثر مما يتأذى الناس منه وعملت بدمشق تصانيف جمة منها غريب الحديث الكبير جمعت فيه غريب أبي عبيد القاسم بن سلام وغريب ابن قتيبة وغريب الخطابي وكنت ابتدأت به في الموصل وعملت له مختصرا سميته المجرد وعملت كتاب الواضحة في إعراب الفاتحة نحو عشرين كراسا وكتاب الألف واللام وكتاب رب وكتابا في الذات والصفات الذاتية الجارية على السنة المتكلمين وقصدت بهذه المسألة الرد على الكندي ووجدت بدمشق الشيخ عبد الله بن نائلي نازلا بالماذنة الغربية وقد عكف عليه جماعة وتحزب الناس فيه حزبين له وعليه فكان الخطيب الدولعي عليه وكان من الأعيان له منزلة وناموس ثم خلط ابن نائلي على نفسه فأعان عدوه عليه وصار يتكلم في الكيمياء والفلسفة وكثر التشنيع عليه واجتمعت به فصار يسألني عن أعمال اعتقد أنها خسيسة نزرة فيعظمها ويحتفل بها ويكتبها مني
(٦٨٦)