عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٥٦
الدين بن عبد الرحيم بن علي رحمه الله وكان كثير الملازمة له والاشتغال عليه وسافر معه مرات في غزوات صلاح الدين لما فتح الساحل ومما حدثني شيخنا مهذب الدين عنه فيما يتعلق بمعالجاته قال كان أسد الدين شيركوه صاحب حمص قد طلب ابن المطران فتوجه إليه وكنت معه فبينما نحن في بعض الطريق وإذا رجل مجذوم استقبله وقد قوي به المرض حتى تغيرت خلقته وتشوهت صورته فاستوصف منه ما يتناوله وما يتداوى به فبقي كالمتبرم من رؤيته وقال له كل لحوم الأفاعي فعاوده في المسألة فقال كل لحوم الأفاعي فإنك تبرأ قال ومضينا إلى حمص وعالج المريض الذي راح بسببه إلى أن تماثل وصلح ورجعنا فلما كنا في الطريق وإذا بشاب حسن الصورة كامل الصحة قد سلم علينا وقبل يده فلم نعرفه وقال له من أنت فعرفه بنفسه وأنه صاحب المرض الذي كان قد شكاه إليه وأنه لما استعمل ما وصفه له صلح به من غير أن يحتاج معه إلى دواء آخر فتعجبنا من ذلك في كمال برئه وودعنا وانصرف وحدثني أيضا عنه أنه كان معه في البيمارستان الكبير الذي أنشأه نور الدين ابن زنكي وهو يعالج المرضى المقيمين به فكان من جملتهم رجل به استقصاء زقي استحكم به فقصد إلى بزله وكان في ذلك الوقت في البيمارستان ابن حمدان الجرائحي وله يد طولى في العلاج فجزموا على بزل المستسقي قال فحضرنا وبزل الموضع على ما يجب فجرت مائية صفراء وابن المطران يتفقد نبض المريض فلما رأى أن قوته لا تفي بإخراج أكثر من ذلك أمر بشد الموضع وأن يستلقي المريض ولا يغير الرباط أصلا ووجد المريض خفة وراحة كبيرة وكانت عنده زوجته فأوصاها ابن المطران أنها لا تمكنه من حل الرباط ولا تغيره بوجه من الوجوه إلى أن يبصره في ثاني يوم فلما انصرفنا وجاء الليل قال زوجها إنني قد وجدت العافية وما بقي بي شيء وإنما الأطباء قصدهم أن يطولوا بي فحل الرباط حتى يخرج هذا الماء الذي قد بقي وأقوم في شغلي فأنكرت عليه قوله ولم تقبل منه فعادوها بالقول وكرر ذلك عليها مرات ولم يعلم أن بقية المائية إنما جعلوا إخراجه في وقت آخر مراعاة لحفظ قوته وشفقة عليه فلما حلت الرباط وجرت المائية بأسرها خارت قوته وهلك وحدثني أيضا أنه رأى في البيمارستان مع ابن المطران رجلا قد فلجت يده من أحد شقي البدن ورجله المخالفة لها من الشق الآخر فعالجه في أسرع وقت ودبره بالأدوية الموضعية فصلح أقول وكان لموفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران أخوان أيضا قد اشتغلا بصناعة الطب أحدهما هبة الله بن إلياس والآخر ابن إلياس وتوفي موفق الدين بن المطران في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وخمسمائة بدمشق ونقلت من خط البديع عبد الرازق بن أحمد العامري
(٦٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 651 652 653 654 655 656 657 658 659 660 661 ... » »»