عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٥٥
خروجك من صرخد وألحوا عليه في القول وشددوا فقال إذا كان ولا بد فأنا أمضي إلى منزلي وأجيء فمضى إلى منزله وأحضر الخلعة والذهب وما معها وقال هذا الذي أعطيتموني خذوه وأنا فوالله ما أعرف صناعة الطب ولا أدري ما هي وإنما أنا جرى لي مع الحكيم ابن المطران كذا وكذا وقص عليه الواقعة كما وقعت فقال له عز الدين ما عليك أن لا تكون طبيبا أنت ما تعرف تلعب بالنرد والشطرنج فقال بلى وكان الشاب لديه أدب وفضيلة فقال له عز الدين قد تركتك حاجبي وجعلت لك إقطاعا في السنة يعمل اثنين وعشرين ألف درهم فقال السمع والطاعة يا مولاي بل أسأل دستورا إلى دمشق أن أروح إلى الحكيم موفق الدين وأقبل يده وأشكره على ما فعل معي من الخير فأعطي دستورا وأتى إلى الحكيم موفق الدين وقبل يده وشكره شكرا كثيرا وأحضر الذي حصل بين يديه وقال له قد حصل لي هذا فخذه فرده عليه وقال له أنا ما قصدت إلا نفعك خذه بارك الله لك فيه وعرفه الشاب بما جرى له مع عز الدين وصورة الخدمة واستمر الشاب في خدمة عز الدين وكان ذلك الإحسان من مروءة موفق الدين ابن المطران أقول وكانت لموفق الدين بن المطران همة عالية في تحصيل الكتب حتى أنه مات وفي خزانته من الكتب الطبية وغيرها ما يناهز عشرة آلاف مجلدا خارجا عما استنسخه وكانت له عناية بالغة في استنساخ الكتب وتحريرها وكان في خدمته ثلاثة نساخ يكتبون له أبدا ولهم منه الجامكية والجراية وكان من جملتهم جمال الدين المعروف بابن الجمالة وكان خطه منسوبا وكتب ابن المطران أيضا بخطه كتبا كثيرة وقد رأيت عدة منها وهي في نهاية حسن الخط والصحة والإعراب وكان كثير المطالعة للكتب لا يفتر من ذلك في أكثر أوقاته وأكثر الكتب التي كانت عنده توجد وقد صححها وأتقن تحريرها وعليها خطه بذلك وبلغ من كثرة اعتنائه بالكتب وغوايته فيها أنه جامع لكثير من الكتب الصغار والمقالات المتفرقة في الطب وهي في الأكثر يوجد جماعة منها في مجلد واحد استنسخ كلا منها بذاته في جزء صغير قطع نصف ثمن البغدادي بمسطرة واضحة وكتب بخطه أيضا عدة منها واجتمع عنده من تلك الأجزاء الصغار مجلدات كثيرة جدا فكان أبدا لا يفارق في كمه مجلدا يطالعه على باب دار السلطان أو أين توجه وبعد وفاته بيعت جميع كتبه وذلك أنه ما خلف ولدا وحدثني الحكيم عمران الإسرائيلي أنه لما حضر بيع كتب ابن المطران وجدهم وقد أخرجوا من هذه الأجزاء الصغار ألوفا كثيرة أكثرها بخط ابن الجمالة وأن القاضي الفاضل بعث يستعرضها فبعثوا إليه بملء خزانة صغيرة منها وجدت كذلك فنظر فيها ثم ردها فبلغت في المناداة ثلاثة آلاف درهم واشترى الحكيم عمران أكثرها وقال لي إنه حصل الاتفاق مع الورثة في بيعها أنهم أطلقوا مع كل جزء منها بدرهم فاشترى الأطباء منهم هذه الأجزاء الصغار على الثمن بالعدد أقول وكان ابن المطران كثير المروءة كريم النفس ويهب لتلامذته الكتب ويحسن إليهم وإذا جلس أحد منهم لمعالجة المرضى يخلع عليه ولم يزل معتنيا بأمره وكان أجل تلامذته شيخنا مهذب
(٦٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 650 651 652 653 654 655 656 657 658 659 660 ... » »»