عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٦٥٣
وحدثني أبو الظاهر إسماعيل وكان يعرف ابن المطران ويأنس به أن العجب والتكبر الذي كان يغلب على ابن المطران لم يكن على شيء منه في أوقات طلبه العلم وقال أنه كان يراه في الأوقات التي يشتغل فيها بالنحو في الجامع يأتي إذا تفرغ من دار السلطان وهو في مركبة حفلة وحواليه جماعة كثيرة من المماليك الترك وغيرهم فإذا قرب من الجامع ترجل وأخذ الكتاب الذي يشتغل فيه في يده أو تحت أبطه ولم يترك أحدا ما يصحبه ولا يزال ماشيا والكتاب معه إلى حلقة الشيخ الذي يقرأ عليه فيسلم ويقعد بين الجماعة وهو بكيس ولطف إلى أن يفرغ من القراءة ويعود إلى ما كان عليه وقال الصاحب جمال الدين القاضي الأكرم أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم القفطي أن الحكيم موفق الدين أسعد بن المطران لما أسلم وكان نصرانيا حسن إسلامه وزوجه الملك الناصر صلاح الدين قدس الله روحه إحدى حظايا داره واسمها جوزة وكانت جوزة هذه جارية خوندخاتون بنت معين الدين وزوجة صلاح الدين وكانت مدبرة دارها والمتقدمة عندها من جواريها وأعطتها الكثير من حليها وذخائرها ومولتها وخولتها فرتبت أموره وهذبت أحواله وحسنت زيه وجملت ظاهره وباطنه وصار له ذكر سام في الدولة وحصلت له أموال جمة من أمراء الدولة في حال مباشرته لهم في أمراضهم وتنافسوا في العطاء له وترقت حاله عند سلطانه إلى أن كاد يكون وزيرا وكان كثيرا الاشتمال على أهل هذه الصناعة الطبية والحكمية يقدمهم ويتوسط في أرزاقهم قال ولقد أخبرني الفقيه إسماعيل بن صالح بن البناء القفطي خطيب عيذاب قال لما فتح السلطان الساحل ارتحلت عن عيذاب لزيارة البيت المقدس فلما حصلت بالشام رأيت جبالا مشجرة بعدد براري عيذاب المصحرة فاشتقت إلى المقام بالشام وتحيلت في الرزق به فقصدت الفاضل عبد الرحيم وسألته كتابا إلى السلطان في توليتي خطابة قلعة الكرك فكتب لي كتابا هو مذكور في ترسله وهو حسن التلطف قال فأحضرته إلى دمشق والسلطان بها فارشدت في عرضه إلى ابن المطران فقصدته في داره ودخلت عليه بإذنه فرأيته حسن الخلقة والخلق لطيف الاستماع والجواب ورأيت داره وهي على غاية من الحسن في العمارة والتجمل ورأيت أنابيب بركته التي يبرز منها الماء وهي ذهب على غاية ما يكون من حسن الصنعة ورأيت له غلاما يتحجب بين يديه اسمه عمر في غاية جمال الصورة ثم رأيت من الفرش الطرح وشممت من الرائحة الطيبة ما هالني وسألته الحاجة التي قصدته فيها فأنعم بإنجازها وقال الصاحب جمال الدين ورأيت زوجته وابن عمر حاجبه وقد حضرا بعد سنة ستمائة إلى حلب على رقة من الحال ونزلا في الكنف الملكي الظاهري سقى الله عهده وأقيما به بصدقة قررت لهما وماتت هي بعد مدة ولا أعلم بعدها لولد عمر خبرا
(٦٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 658 ... » »»