عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٨٠
فأطلق له الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله في كل شهر أربعة وعشرين دينارا مصرية تصل إليه ويكون ملازما لبيته ولا يكلف خدمة وبقي على تلك الحال وجامكيته تصل إليه نحو عشرين سنة وكان في مدة انقطاعه في بيته لا يخل بالاشتغال في صناعة الطب ولا يخلو موضعه من التلاميذ والمشتغلين عليه والمستوصفين منه وكان لا يمضي إلى أحد لمعالجته في تلك المدة إلا من يعز عليه جدا ولقد بلغني عنه من ذل أن الأمير ابن منقذ لما وصل من اليمن وكان قد عرض له استسقاء بعث إليه ليأتيه ويعالجه بالمعالجة فاعتذر إليه على قرب موضعه منه ولم يمض إليه دون أن بعث إليه القاضي الفاضل وكيله ابن سناء الملك وقصده في ذلك حتى مضى إليه ووصف له ما يعتمد عليه في المداواة وعاش أبو البيان ابن المدور ثلاثا وثمانين سنة وتوفي في سنة ثمانين وخمسمائة بالقاهرة وكان من تلاميذه زين الحساب ولأبي البيان بن المدور من الكتب مجرباته في الطب أبو الفضائل بن الناقد لقبه المهذب كان طبيبا مشهورا وعالما مذكورا له العلم الوافر والأعمال الحسنة والمداواة الفاضلة وكان يهوديا مشتهرا بالطب والكحل إلا أن الكحل كان أغلب عليه وكان كثير المعاش عظيم الاشتيام حتى أن الطلبة والمشتغلين عليه كانوا في أكثر أوقاته يقرؤون عليه وهو راكب وقت مسيره وافتقاده للمرضى وتوفي سنة أربع وثمانين وخمسمائة بالقاهرة وأسلم ولده أبو الفرج وكان طبيبا وكحالا أيضا وحدثني أبي قال كان قد أتى إلى أبي الفضائل بن الناقد صاحب له من اليهود ضعيف الحال وطلب منه أن يرفده بشيء فأجلسه عند داره وقال له معاشي اليوم بختك ورزقك وركب ودار على المرضى والذين يكحلهم ولما عاد أخرج عدة الكحل وفيها قراطيس كثيرة مصرورة وشرع يفتح واحدة واحدة منها فمنها ما فيها الدينار والأكثر ومنها ما فيها دراهم ناصرية وبعضها فيها دراهم سواد فاجتمع من ذلك ما يكون قيمته الجملة نحو ثلاثمائة درهم سواد فأعطاها ذلك الرجل ثم قال والله جميع هذه الكواغد ما أعرف الذي أعطاني الذهب أو الدراهم أو الكثير منها أو القليل بل كل من أعطاني شيئا أجعله في عدة الكحل وهذا يدل على معاش زائد وقبول كثير ولأبي الفضائل بن الناقد من الكتب مجرباته في الطب الرئيس هبة الله كان إسرائيليا فاضلا مشهورا بالطب جيد الأعمال حسن المعالجة وكان في آخر دولة الخلفاء المصريين وخدمهم بصناعة الطب وكانت له منهم الجامكية الوافرة والصلات المتوالية ثم انقرضت دولتهم وبقي بعدهم يعيش فيما أنعموا به عليه إلى أن توفي وكانت وفاته في سنة خمسمائة ونيف وثمانين
(٥٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 ... » »»