عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٧٢
الشيخ السديد رئيس الطب هو القاضي الأجل السديد أبو المنصور عبد الله بن الشيخ السديد أبي الحسن علي وكان لقب القاضي أبي المنصور شرف الدين وإنما غلب عليه لقب أبيه وعرف به وصار له علما بأن يقال الشيخ السديد وكان عالما بصناعة الطب خبيرا بأصولها وفروعها جيد المعالجة كثير الدربة حسن الأعمال باليد وخدم الخلفاء المصريين وحظي في أيامهم ونال من جهتهم من الأموال الوافرة والنعم الجسيمة ما لم ينله غيره من سائر الأطباء الذين كانوا في زمانه ولا قريبا منه وكانت له عندهم المنزلة العليا والجاه الذي لا مزيد عليه وعمر عمرا طويلا وكان من بيتوتة صناعة الطب وكان أبوه أيضا طبيبا للخلفاء المصريين مشهورا في أيامهم حدثني القاضي نفيس الدين بن الزبير وكان قد لحق الشيخ السديد وقرأ عليه صناعة الطب قال قال لي الشيخ السديد رئيس الطب إن أول من مثلت بين يديه من الخلفاء وأنعم علي الآمر بأحكام الله وذلك أن أبي كان طبيبا في خدمته وكان مكينا عنده رفيع المنزلة في أيامه قال وكنت صبيا في ذلك الوقت فكان أبي يهب لي في كل يوم دراهم وأجلس عند باب الدار التي لنا واقصد جماعة في كل نهار حتى تمرنت وصارت لي دربة جيدة في الفصد وكنت قد شدوت شيئا من صناعة الطب فذكرني أبي عند الآمر وأخبره بما أنا عليه وإنني أعرف صناعة الفصد ولي دربة جيدة بها فاستدعاني فتوجهت إليه وأنا بحالة جميلة من الملبوس الفاخر والمركوب الفاره المتحلي بمثل الطوق الذهب وغيره وإنني لما دخلت إليه القصر مشيت مع أبي حتى صرنا بين يديه فقبلت الأرض وخدمت فقال لي أفصد هذا الأستاذ وكان واقفا بين يديه فقلت السمع والطاعة ثم جيئ بطشت فضة وشددت عضده وكانت له عروق بينة الظهور ففصدته وربطت موضع الفصادة فقال لي أحسنت وأمر لي بأنعام كثيرة وخلع فاخرة وصرت من ذلك الوقت مترددا إلى القصر وملازما للخدمة وأطلق لي من الجاري ما يقوم بكفايتي على أفضل الأحوال التي أؤملها وتواترت علي من الهبات والإطلاقات الشيء الكثير وحدثني أسعد الدين عبد العزيز بن أبي الحسن أن الشيخ السديد حصل له في يوم واحد من الخلفاء في بعض معالجاته لأحدهم ثلاثون ألف دينار وقال لي القاضي نفيس الدين بن الزبير عنه أنه لما طهر ولدي الحافظ لدين الله حصل له في ذلك الوقت من المال نحو خمسين ألف دينار وأكثر من ذلك سوى ما كان في المجلس من أواني الذهب والفضة فإنها وهبت جميعها له وكانت له همة عالية وأنعام عام حدثني الشيخ رضي الدين الرحبي قال لما وصل المهذب بن النقاش إلى الشام من بغداد وكان
(٥٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 ... » »»