عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٤٢
كان قد خرج إلى الشام وقصد الثغور لإصلاحها وعاد إلى أنطاكية فأدركته هيضة من ألبان الجواميس لأنه أسرع فيها واستكثر منها فالتمس طبيبه سعيدا فوجده قد خرج إلى بيعة بأنطاكية فتمكن غيظه عليه فلما حضر أغلظ له في التأخر عنه وأنف أن يشكو إليه ما وجده ثم زاد الأمر عليه في الليلة الثانية فطلبه فجاء متنبذا فقال له لي من يومين عليل وأنت شارب نبيذ فقال يا سيدي طلبتني أمس وأنا في بيعتي على ما جرت عادتي وحضرت فلم تخبرني بشيء قال فما كان ينبغي أن تسأل عن حالي قال ظنك يا مولاي سيئ ولست أسأل أحدا من حاشيتك عن شيء من أمرك قال فما الصواب الساعة قال لا تقرب شيئا من الغذاء ولو قرمت إليه الليلة وغدا قال أنا والله جائع وما أصبر قال هذا جوع كاذب لبرد المعدة فلما كان في نصف الليل استدعى شيئا يأكله فجيء بفراريج كردباج حارة وبزماورد من دجاج وجداء باردة فأكل منها فانقطع الإسهال عنه فخرج نسيم الخادم وسعيد في الدار قال له أكل الأمير خروف كردباج فخف عنه القيام قال سعيد الله المستعان ضعفت قوته الدافعة بقهر الغذاء لها وستتحرك حركة منكرة فوالله ما وافى السحر حتى قام أكثر من عشرة مجالس وخرج من أنطاكية وعلته تتزايد إلا أن في قوته احتمالا لها وطلب مصر وثقل عليه ركوب الدواب فعملت له عجلة كانت تجر بالرجال وطئت له فما وصل الفرما حتى شكا إزعاجها فركب الماء إلى الفسطاط وضرب له بالميدان قبة نزل فيها ولما حل ابن طولون بمصر ظهرت منه نبوة في حق سعيد الطبيب هذا وشكاه إلى إسحق بن إبراهيم كاتبه وصاحبه فقال إسحق بن إبراهيم لسعيد يعاتبه ويحك أنت حاذق في صناعتك وليس لك عيب إلا أنك مدل بها غير خاضع أن تخدمه فيها والأمير وإن كان فصيح اللسان فهو أعجمي الطبع وليس يعرف أوضاع الطب فيدبر نفسه بها وينقاد لك وقد أفسده عليك الإقبال فتلطف له وأرفق به وواظب عليه وراع حاله فقال سعيد والله ما خدمتي له إلا خدمة الفار للسنور والسخلة للذئب وأن قتلي لأحب إلي من صحبته ومات أحمد بن طولون في علته هذه وقال نسيم خادم أحمد بن طولون أن سعيد بن توفيل المتطبب كان في خدمة الأمير أحمد بن طولون فطلبه يوما فقيل له مضى يستعرض ضيعة يشتريها فامسك حتى حضر ثم قال له يا سعيد اجعل ضيعتك التي تشتريها فتستغلها صحبتي ولا تغفلها واعلم أنك تسبقني إلى الموت إن كان موتي على فراشي فإني لا أمكنك بالاستمتاع بشيء بعدي قال نسيم وكان سعيد بن توفيل آيسا من
(٥٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 537 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 ... » »»