عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٤٣
الحياة لأن أحمد بن طولون امتنع من مشاورته ولم يكن يحضر إلا ومعه من يستظهر عليه برأيه ويعتقد فيه أنه فرط في أول أمره وابتداء العلة به حتى فات أمره وفي التاريخ أن سعيد بن توفيل كان له في أول ما صحب أحمد شاكري قبيح الصورة كان ينفض الكتان مع أب له واسمه هاشم وكان يخدم بغلة سعيد ويمسكها له إذا دخل دار أحمد ابن طولون وكان سعيد يستعمله في بعض الأوقات في سحق الأدوية بداره إذا رجع معه وينفخ النار على المطبوخات وكان لسعيد بن توفيل ابن حسن الصورة ذكي الروح حسن المعرفة بالطب فتقدم أحمد بن طولون إلى سعيد أول ما صحبه أن يرتاد متطببا يكون لحرمه ويكون مقيما بالحضرة في غيبته فقال له سعيد لي ولد قد علمته وخرجته قال أرنيه فأحضره فرأى شابا رائقا حسن الأسباب كلها فقال له أحمد بن طولون ليس يصلح هذا لخدمة الحرم احتاج لهن حسن المعرفة قبيح الصورة فأشفق سعيد أن ينصب لهم غريبا فينبو عنه ويخالف عليه فأخذ هاشما وألبسه دراعة وخفين ونصبه للحرم فذكر جريج ابن الطباخ المتطبب قال لقيت سعيد بن توفيل ومعه عمر بن صخر فقال له عمر ما الذي نصبت هاشما له قال خدمة الحرم لأن الأمير طلب قبيح الخلقة فقال له عمر قد كان في أبناء الأطباء قبيح قد حسنت تربيته وطاب مغرسه يصلح لهذا ولكنك استرخصت الصنعة والله يا أبا عثمان إن قويت يده ليرجعن إلى دناءة منصبه وخساسة محتده فتضاحك سعيد بغرته من هذا الكلام وتمكن هاشم من الحرم بإصلاحه لهم ما يوافقهم من عمل أدوية الشحم والحبل وما يحسن اللون ويغزر الشعر حتى قدمه النساء على سعيد فلما جمع الأطباء على الغدو إلى أحمد بن طولون في كل يوم عند اشتداد علته قالت مائة ألف أم أبي المشائر قد احضر جماعة من الأطباء ولم يحضر هاشم والله يا سيدي ما فيهم مثله فقال لها أحضرينيه سرا حتى أشافهه واسمع كلامه فأدخلته إليه سرا وشجعته على كلامه فلما مثل بين يديه نظر وجهه وقال أغفل الأمير حتى بلغ إلى هذه الحالة لا أحسن الله جزاء من كان يتولى أمره قال له أحمد بن طولون فما الصواب يا مبارك قال تتناول قميحة فيها كذا وكذا وعدد قريبا من مائة عقار وهذه القمائح تمسك وقت أخذها وتعود بضرر بعد ذلك لأنها تتعب القوى فتناولها أحمد وأمسك عن تناول ما عمله سعيد والأطباء ولما أمسكت حسن موقع ذلك عند أحمد وظن أن البرء قد تم له ثم قال أحمد لهاشم إن سعيدا قد حماني من شهر عن لقمة عصيدة وأنا أشتهيها قال يا سيدي أخطأ سعيد وهي مغذية ولها أثر حميد فيك فتقدم أحمد بن طولون بإصلاحها فجيء منها بجام واسع فأكل أكثره وطاب نفسا ببلوغ شهوته ونام ولحجت العصيدة فتوهم أن حاله زادت صلاحا وكل هذا يطوى عن سعيد بن توفيل ولما حضر سعيد قال له ما تقول في العصيدة قال هي ثقيلة على الأعضاء وتحتاج أعضاء الأمير إلى تخفيف عنها قال له أحمد دعني
(٥٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 538 539 540 541 542 543 544 545 546 547 548 ... » »»