عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٥٣١
الطب ولذلك يقول ابن رشد في آخر كتابه ما هذا نصه قال فهذا هو القول في معالجة جميع أصناف الأمراض بأوجز ما أمكننا وأبينه وقد بقي علينا من هذا الجزء القول في شفاء عرض عرض من الأعراض الداخلة على عضو عضو من الأعضاء وهذا وأن لم يكن ضروريا لأنه منطو بالقوة فيما سلف من الأقاويل الكلية ففيه تتميم ما وارتياض لأنا ننزل فيها إلى علاجات الأمراض بحسب عضو عضو وهي الطريقة التي سلكها أصحاب الكنانيش حتى نجمع في أقاويلنا هذه إلى الأشياء الكلية الأمور الجزئية فإن هذه الصناعة أحق صناعة ينزل فيها إلى الأمور الجزئية ما أمكن إلا أنا نؤخر هذا إلى وقت نكون فيه أشد فراغا لعنايتنا في هذا الوقت بما يهم من غير ذلك فمن وقع له هذا الكتاب دون هذا الجزء وأحب أن ينظر بعد ذلك إلى الكنانيش فأوفق الكنانيش له الكتاب الملقب بالتيسير الذي ألفه في زماننا هذا أبو مروان بن زهر وهذا الكتاب سألته أنا إياه وانتسخته فكان ذلك سبيلا إلى خروجه وهو كما قلنا كتاب الأقاويل الجزئية التي قلت فيه شديدة المطابقة للأقاويل الكلية إلا أنه مزج هنالك مع العلاج العلامات وإعطاء الأسباب على عادة أصحاب الكنانيش ولا حاجة لمن يقرأ كتابنا هذا إلى ذلك بل يكفيه من ذلك مجرد العلاج فقط وبالجملة من تحصل له ما كتبناه من الأقاويل الكلية أمكنه أن يقف على الصواب والخطأ من مداواة أصحاب الكنانيش في تفسير العلاج والتركيب حدثني القاضي أبو مروان الباجي قال كان القاضي أبو الوليد بن رشد حسن الرأي ذكيا رث البزة قوي النفس وكان قد اشتغل بالتعاليم وبالطب على أبي جعفر بن هارون ولازمه مدة وأخذ عنه كثيرا من العلوم الحكمية وكان ابن رشد قد قضى مدة في أشبيلية قبل قرطبة وكان مكينا عند المنصور وجيها في دولته وكذلك أيضا كان ولده الناصر يحترمه كثيرا قال ولما كان المنصور بقرطبة وهو متوجه إلى غزو ألفنس وذلك في عام أحد وتسعين وخمسمائة استدعى أبا الوليد بن رشد فلما حضر عنده احترمه كثيرا وقربه إليه حتى تعدى به الموضع الذي كان يجلس فيه أبو محمد عبد الواحد بن الشيخ حفص الهنتاتي صاحب عبد المؤمن وهو الثالث أو الرابع من العشرة وكان هذا أبو محمد عبد الواحد قد صاهره المنصور وزوجه بابنته لعظم منزلته عنده ورزق عبد الواحد منها ابنا اسمه علي وهو الآن صاحب إفريقية فلما قرب المنصور ابن رشد وأجلسه إلى جانبه حادثه ثم خرج من عنده وجماعة الطلبه وكثير من أصحابه ينتظرونه فهنؤوه بمنزلته عند المنصور وإقباله عليه فقال والله إن هذا ليس مما يستوجب الهناء به فإن أمير المؤمنين قد قربني دفعة إلى أكثر مما كنت أؤمله فيه أو يصل رجائي إليه وكان جماعة من أعدائه قد شيعوا بأن أمير المؤمنين قد أمر بقتله فلما خرج سالما أمر بعض خدمه أن يمضي إلى بيته ويقول لهم إن يصنعوا له قطا وفراخ حمام مسلوقة إلى متى يأتي إليهم وإنما كان غرضه بذلك تطييب قلوبهم بعافيته
(٥٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 ... » »»