عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٧٨
قال يوسف نزلت على عيسى بن حكم في منزله بدمشق سنة خمس وعشرين ومائتين وبي نزلة صعبة فكان يغذوني بأغذية طيبة ويسقيني الثلج فكنت أنكر ذلك واعلمه إن تلك الأغذية مضرة بالنزلة فيعتل علي بالهواء ويقول أنا أعلم بهواء بلدي منك وهذه الأشياء المضرة بالعراق نافعة بدمشق فكنت اغتذي بما يغذوني به فلما خرجت عن البلد خرج مشيعا لي حتى صرنا إلى الموضع المعروف بالراهب وهو الموضع الذي فارقني فيه فقال لي قد أعددت لك طعاما يحمل معك يخالف الأطعمة التي كنت تأكلها وأنا آمرك أن لا تشرب ماء باردا ولا تأكل من مثل الأغذية التي كنت تأكلها في منزلي شيئا فلمته على ما كان يغذوني به فقال إنه لا يحسن بالعاقل أن يلزم قوانين الطب مع ضيفه في منزله قال يوسف وتجاريت وعيسى يوما بدمشق ذكر البصل فابترك في ذمه ووصف معايبه وكان عيسى وسلمويه بن بيان يسلكان طريق الرهبان ولا يحمدان شيئا مما يزيد في الباه ويذكران أن ذلك مما يتلف الأبدان ويذهب الأنفس فلم استنجد الاحتجاج عليه بزيادة البصل في الباه فقلت له قد رأيت له في سفري هذا أعني فيما بين سر من رأى ودمشق منفعة فسأل عنها فأعلمته إني كنت أذوق الماء في بعض المناهل فاصيبه مالحا فآكل البصل الني ثم أعاود شرب الماء فأجد ملوحته قد نقصت وكان عيسى قليل الضحك فاستضحك من قولي ثم رجع إلى إظهار جرح منه ثم قال يعز علي أن يغلط مثلك هذا الغلط لأنك صرت إلى أسمج نكتة في البصل وأعيب عيب فيه فجعلتها مدحا ثم قال لي أليس متى حدث في الدماغ فساد فسدت الحواس حتى ينقص حس الشم والذوق والسمع والبصر فأعلمته أن الأمر كذلك فقال لي إن خاصية البصل إحداث فساد الدماغ فإنما قلل حسك بملوحة الماء ما أحدث البصل في دماغك من الفساد قال وقال لي عيسى وقد شيعني إلى الراهب وهو أخر كلام دار بيني وبينه إن والدي توفي وهو ابن مائة سنة وخمس سنين لم يتشنج له وجه ولم ينقص من ماء وجهه لأشياء كان يفعلها وأنا الآن مزودكها فاعمل بها وهي أن لا تذوق القديد ولا تغسل يديك ورجليك عند خروجك من الحمام أبدا إلا بماء بارد أبرد ما يمكنك والزم ذلك فإنه ينفعك فلزمت ما أمرني به من هذا الباب إلا إني ربما مصصت القطعة الصغيرة من القديد في السنة وفي الأكثر من ذلك ولعيسى بن حكم من الكتب كناش كتاب منافع الحيوان
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 183 184 ... » »»