عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ١٨٤
باعتقاله ولما اعتقل اجتمع رؤساء المدينة مع المطران فأشاروا على جورجس بالخروج فخرج بعد أن أوصى ابنه بختيشوع بأمر البيمارستان وأموره التي تتعلق به هناك وأخذ معه إبراهيم تلميذه وسرجس تلميذه فقال له ابنه بختيشوع لا تدع ههنا عيسى بن شهلا فإنه يؤذي أهل البيمارستان فترك سرجس وأخذ عيسى معه عوضا عنه وخرج إلى مدينة السلام ولما ودعه بختيشوع ابنه قال له لم لا تأخذني معك فقال لا تعجل يا بني فإنك ستخدم الملوك وتبلغ من الأحوال أجلها ولما وصل جورجس إلى الحضرة أمر المنصور بإيصاله إليه ولما وصل دعا إليه بالفارسية والعربية فتعجب الخليفة من حسن منظره ومنطقه فأجلسه قدامه وسأله عن أشياء فأجابه عنها بسكون فقال له قد ظفرت منك بما كنت أحبه واشتاقه وحدثه بعلته وكيف كان ابتداؤها فقال له جورجس أنا أدبرك كما تحب فأمر الخليفة له في الوقت بخلعة جليلة وقال للربيع أنزله في منزل جليل من دورنا وأكرمه كما تكرم أخص الأهل ولما كان من غد دخل إليه ونظر إلى نبضه وإلى قارورة الماء ووافقه على تخفيف الغذاء ودبره تدبيرا لطيفا حتى رجع إلى مزاجه الأول وفرح به الخليفة فرحا شديدا وأمر أن يجاب إلى كل ما يسأل ولما كان بعد أيام قال الخليفة للربيع أرى هذا الرجل قد تغير وجهه لا يكون قد منعته مما يشربه على عادته قال له الربيع لم نأذن له أن يدخل إلى هذه الدار مشروبا فأجابه بقبيح وقال له لا بد أن تمضي بنفسك حتى تحضره من المشروب كل ما يريده فمضى الربيع إلى قطربل وحمل منها إلى غاية ما أمكنه من الشراب الجيد ولما كان بعد سنتين قال الخليفة لجورجس أرسل من يحضر ابنك إلينا فقد بلغني إنه مثلك في الطب فقال له جورجس جندي سابور إليه محتاجة وإن فارقها إن فسد أمر البيمارستان وكان أهل المدينة إذا مرضوا ساروا إليه وههنا معي تلامذة قد ربيتهم وخرجتهم في الصناعة حتى أنهم مثلي فأمر الخليفة بإحضارهم في غد ذلك اليوم ليختبرهم فلما كان من غد أخذ معه عيسى بن شهلا وأوصله إليه فسأله الخليفة عن أشياء وجده فيها حاد المزاج حاذقا بالصناعة فقال الخليفة لجورجس ما أحسن ما وصفت هذا التلميذ وعلمته قال فثيون ولما كان في سنة إحدى وخمسين ومائة دخل جورجس إلى الخليفة في يوم الميلاد فقال له الخليفة أي شيء آكل اليوم فقال له ما تريد وخرج من بين يديه فلما بلغ الباب رده وقال له من يخدمك ههنا فقال له تلامذتي فقال له سمعت أنه ليست لك امرأة فقال له لي زوجة كبيرة ضعيفة ولا تقدر تنتقل إلي من موضعها وخرج من حضرته ومضى إلى
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»