الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج ١ - الصفحة مقدمة الكتاب ٨
حياة المؤلف وموقفه الكريم لا أريد أن أمثل لك في كلمتي هذه إلا نفسية كبيرة تأبى لها الهمة القعساء إلا الذروة والسنام من كل فضيلة، ولا أصف إلا شخصية بارزة لا تقتنع لها المآثر إلا بالخلود حتى أنك إذا وقفت عليها وقوف مستشف للحقيقة تجد حياة ثمينة كرسها المترجم في صالح أمته فأبقى لها كيانا خالدا وصحيفة بيضاء ترتل حروفها الحقب والأعوام.
بالرغم من عبقرية (علماء الشيعة) في العلوم بأسرها، وتهالكهم في تدوين المعقول والمنقول، وحرصهم على ضبط ولائد الأفكار، واتقان مباني الفلسفة، وترصيف مباحث الكلام، وترتيب دروس الأخلاق، ونضد قواعد الفقه، وضم حلقات التفسير وتنسيق طبقات الرجال، وجمع شذرات الحديث، وتأليف شوارد السير، ونظم جواهر الأدب، وتقفيتهم كل مأثرة بمثلها.
بالرغم من تلكم الجهود المتواصلة، قد أوشكت أن تذهب أثارهم القيمة إدراج الرياح بين أناس حناق على الحقيقة يتحرون تشويه سمعة القوم وستر فضائلهم وآخرين متساهلين عن الإشارة بها لأسباب كانت تقضي بذلك في ظروف قاسية وسلطات شديدة الكلب وأضعان محتدمة وأغراض مستهدفة، على ذلك نسلت أجيال ودهور وكتب الشيعة لا تنسج عليها إلا عناكب النسيان، وتتدهور بها الأحوال إلى هوة الاهمال.
نعم نجمت بين هاتيك الكوارث والهنابث كتب ثمينة كافلة لذكريات علماء الشيعة وذكر تآليفهم لكن فيها ما لا يفي إلا ببعض القصد وما حجبته الظروف عن النشور على أن الغاية في أكثرها التبسط في سير المترجمين وجاء ذكر الكتب مستطردا مما توخاه مؤلفوها وأما كتاب يعني فيه بسرد المؤلفات واستيفاء ما يتسنى للباحث تذكاره منها فلم نجد منه إلا طفائف محدودة أو مخدجة.
(مقدمة الكتاب ٨)