الإصابة - ابن حجر - ج ١ - الصفحة ٥٥
كبيرة، وبما تميزت به كل واحدة عن الأخرى من سمات ظاهرة كانت علما عليها، وكانت المنافسة بين هاتين المدرستين حامية الوطيس، كل تعيب على الأخرى مسلكها في التشريع، وكان لكل منها رجالها واعلامها المبرزون.
مدرسة المدينة كان لمدرسة المدينة في العصر الأول للاسلام المكانة المرموقة إذ كانت الجامعة التي يقصدها طلاب الفقه والحديث الراغبون في العلم والمعرفة، لأنها دار هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم والبلد الذي نزل فيها الوحي وعاش فيها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعون فضلا عن كونها العاصمة السياسية للدولة الاسلامية، ومركز الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكانت مجمع العلماء ومثوى الفقهاء، ودار الأتقياء والصالحين، وبقيت كذلك وقتا طويلا.
وكان امام هذه المدرسة سعيد بن المسيب، يرى هو وأصحابه ان أهل الحرمين أثبت الناس في الفقه، حيث الصحابة كثيرون والسنة متوافرة، فما وجدوه مجمعا عليه بين علماء المدينة فإنهم يتمسكون به، وما كان فيه اختلاف عندهم فإنهم يأخذون بأقواه وأرجحه، واما بكثرة من ذهب إليه أو لموافقة لقياس جلي أو تخر صريح من الكتاب والسنة أو نحو ذلك، وإذا لم يجدوا فيما حفظوا منهم جواب المسألة، خرجوا من كلامهم وتتبعوا الايماء والاقتضاء فحصل لهم من ذلك مسائل كثيرة في كل باب من أبواب الفقه.
أصول هذه المدرسة الصحابة الذين آثروا فيها هم: عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر، وأم المؤمنين عائشة، وعبد الله بن عباس.
قال الشعبي: من سره ان يأخذ بالوثيقة في القضاء فليأخذ بقول عمر وقال مجاهد: إذا اختلف الناس في شئ فانظروا ما صنع عمر فخذوا به وقال ابن المسيب: ما العم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم من عمر بن الخطاب.
وقال بعض التابعين: دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصبيان قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه.
واما عن زيد بن ثابت، فقد قال مسروق: قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال للصحابة: " أفرضكم زيد ".
وقال الشعبي: غلب زيد الناس على اثنتين: الفرائض والقرآن.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»