سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢١ - الصفحة ٣٤٣
وقال الموفق عبد اللطيف: كانوا ثلاثة أخوة:
أحدهم: خدم بالإسكندرية، وخلف من الخواتيم صناديق، ومن الحصر والقدور بيوتا مملوءة، وكان متى سمع بخاتم، سعى في تحصيله.
وأما الآخر: فكان له هوس مفرط في تحصيل الكتب، عنده نحو مئتي ألف كتاب.
والثالث: القاضي الفاضل كان ذا غرام بالكتابة وبالكتب أيضا، له الدين، والعفاف، والتقى، مواظب على أوراد الليل والصيام والتلاوة.
لما تملك أسد الدين، أحضره، فأعجب به، ثم استخلصه صلاح الدين لنفسه، وكان قليل اللذات، كثير الحسنات، دائم التهجد، يشتغل بالتفسير والأدب، وكان قليل النحو، لكنه له دربة قوية، كتب من الانشاء ما لم يكتبه أحد، أعرف عند ابن سناء الملك من إنشائه اثنين وعشرين مجلدا، وعند ابن القطان عشرين مجلدا، وكان متقللا في مطعمه ومنكحه وملبسه، لباسه البياض، ويركب معه غلام وركابي، ولا يمكن أحدا أن يصحبه، ويكثر تشييع الجنائز، وعيادة المرضى، وله معروف معروف في السر والعلانية، ضعيف البنية، رقيق الصورة، له حدبة يغطيها الطيلسان، وكان فيه سوء خلق يكمد به نفسه، ولا يضر أحدا به، ولأصحاب العلم عنده نفاق، يحسن إليهم، ولم يكن له انتقام من أعدائه إلا بالاحسان أو الاعراض عنهم، وكان دخله ومعلومه في العام نحوا من خمسين ألف دينار سوى متاجر الهند والمغرب. توفي مسكوتا (1)، أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الاقبال وإقبال الادبار، وهذا يدل على أن لله به عناية.

(1) يعني: فجاءة، وهو ما يعرف في عصرنا بالسكتة القلبية.
(٣٤٣)
مفاتيح البحث: الهند (1)، الموت (1)، الجنازة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 338 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 ... » »»