فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ * (أفأمن الذين مكروا السيئات) * [النحل: 45]... الآيات، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه وتغير، وغلبه وجع البطن، وأنزل من المنبر يصيح من الوجع، فحمل إلى حمام، فبقي إلى قريب المغرب يتقلب ظهرا لبطن، وبقي أسبوعا لا ينفعه علاج، فأوصى، وودع أولاده، ومات، وصلي عليه عقيب عصر الجمعة رابع المحرم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه أبو يعلى.
وأطنب عبد الغافر في وصفه، وأسهب، إلى أن قال: وقرأت في كتاب كتبه زين الاسلام من طوس في التعزية لشيخ الاسلام: أليس لم يجسر مفتر أن يكذب على رسول الله في وقته؟ أليست السنة كانت بمكانه منصورة، والبدعة لفرط حشمته مقهورة؟ أليس كان داعيا إلى الله، هاديا عباد الله، شابا لا صبوة له، كهلا لا كبوة له، شيخا لا هفوة له؟ يا أصحاب المحابر، وطؤوا رحالكم، قد غيب من كان عليه إلمامكم، ويا أرباب المنابر، أعظم الله أجوركم، فقد مضى سيدكم وإمامكم.
قال الكتاني: ما رأيت شيخا في معنى أبي عثمان زهدا وعلما، كان يحفظ من كل فن لا يقعد به شئ، وكان يحفظ التفسير من كتب كثيرة، وكان من حفاظ الحديث.
قلت: ولقد كان من أئمة الأثر، له مصنف في السنة واعتقاد السلف، ما رآه منصف إلا واعترف له (1).
قال معمر بن الفاخر: سمعت عبد الرشيد بن ناصر الواعظ بمكة،