سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ١٥٧
قلت: كان إماما دينا، ثقة، متقنا، علامة، متبرحا، صاحب سنة واتباع، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته، بان له منزلته من سعة العلم، وقوة الفهم، وسيلان الذهن، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه.
قال أبو القاسم بن بشكوال (1): ابن عبد البر إمام عصره، وواحد دهره، يكنى أبا عمر، روى بقرطبة عن خلف بن القاسم، وعبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، وأبي محمد بن عبد المؤمن، وأبي محمد بن أسد، وجماعة يطول ذكرهم. وكتب إليه من المشرق السقطي، والحافظ عبد الغني، وابن سيبخت، وأحمد بن نصر الداوودي، وأبو ذر الهروي، وأبو محمد بن النحاس.
قال أبو علي بن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب (2).
وقال أبو علي الغساني: ألف أبو عمر في " الموطأ " كتبا مفيدة منها: كتاب " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " فرتبه على أسماء شيوخ مالك، على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد

(1) " الصلة " 2 / 677.
(2) " الصلة " 2 / 677، 678، و " وفيات الأعيان " 7 / 66.
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»