سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٧ - الصفحة ١٣١
مئة، فحاصرته جيوش البربر مع سليمان المستعين مدة، واتصل ذلك إلى شوال سنة ثلاث وأربع مئة، فدخل البربر قرطبة بالسيف، وقتل المؤيد بالله. وقرأت بخط أبي الوليد بن الحاج: أن طائفة وثبوا على المهدي، فقتلوه، وأخرجوا المؤيد بالله، فطير عنبر رأس المهدي بين يدي المؤيد، وسكن الناس، وكتب المؤيد إلى البربر ليدخلوا في الطاعة، فأبوا، وصار يركب ويظهر، فهابه الناس، وعاثت البربر، وعملت ما لا يعمله مسلم، ونازلوا قرطبة سنة اثنتين وأربع مئة، واشتد القحط والبلاء، وفني الناس، ودخل البربر بالسيف في سنة ثلاث، فقتلوا حتى الولدان، وهرب الخلق، وهرب المؤيد بالله إلى المشرق، فحج، ولقد تصرف في الدنيا عزيزا وذليلا، والعزة لله جميعا (1).
وقال غيره: أما المؤيد، فانقطع خبره، ونسي ذكره.
وقال عزيز في " تاريخ القيروان ": إن المؤيد بالله هرب بنفسه من قرطبة، فلم يزل فارا ومستخفيا حتى حج، وكان معه كيس جوهر، فشعر به حرابة مكة، فأخذوه منه، فمال إلى ناحية من الحرم، وأقام يومين لم يطعم طعاما، فأتى المروة، فلقيه رجل، فقال له: تحسن تجبل الطين؟ قال:
نعم. فذهب به، فلم يحسن الجبل، وشارط على درهم ورغيف، فقال:
عجل القرص، فإني جائع. فأتاه به، فأكله، وعمل حتى تعب، وهرب، وخرج مع الركب إلى الشام في أسوأ حال، فقدم القدس، فمشى، فرأى رجلا يعمل الحصر، فنظر إليه الرجل، فقال: من أنت؟ قال غريب.
قال: تحسن هذه الصنعة؟ قال: لا. قال: فتكون عندي تناولني

(1) انظر " الكامل " لابن الأثير 9 / 216 - 219.
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»