سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٧ - الصفحة ١٢٦
القصر، فقالت: يا منصور! يفرح الناس وأبكي؟ إن ابني أسير في بلاد الروم. فثنى عنانه وأمر الناس بغزو الجهة التي فيها ابنها.
وقد عصاه مرة ولد له، فهرب، ولجأ إلى ملك سمورة، فغزاها المنصور، وحاصرها، وحلف ألا يرحل إلا بابنه، فسلموه إليه، فأمر بقتله، فقتل بقرب سمورة.
ومن رجلة المنصور: أنه أحيط به في مدينة فتة، فرمى بنفسه من أعلى جبلها، وصار في عسكره، فبقي مفدع (1) القدمين لا يركب، إنما يصنع له محمل على بغل يقاد به في سبع غزوات وهو بضعة لحم، فانظر إلى هذه الهمة العلية، والشجاعة الزائدة.
وكان موته آخر الصلاح وأول الفساد بالأندلس، لان أفعاله كانت حسنة في الحال، فاسدة في المآل، فكانت قبله القبائل، كل قبيلة في مكان، فإذا كان غزو، وضعت الخلفاء على كل قبيلة عددا، فيغزون، فلما استولى المنصور، أدخل من صنهاجة ونفزن عشرين ألفا إلى الأندلس، وشتت العرب عن مواضعها، وأخملهم، وأبقى على نفسه لكونه ليس من بيوت الملك، ثم قتل في بني أمية جماعة، واحتاط على المؤيد، ومنعه من الاجتماع بأحد، وربما أخرجه لهم في يوم العيد للهناء، فلما مات المنصور وابنه المظفر أبو مروان، انخرم النظام، وشرع الفساد، وهلك الناس، فقام شنجول وطغى وبغى، وفعل العظائم، والمؤيد بالله تحت الاحتجار، فدس على المؤيد من خوفه وهدده، وأعلمه أنه عازم على قتله إن لم يوله عهده، ثم أمر شنجول القضاة والاعلام بالمثول إلى القصر الذي بالزهراء،

(1) الفدع محركة: عوج وميل في المفاصل، كأن المفاصل قد زالت عن مواضعها، لا يستطاع بسطها معه، وأكثر ما يكون في الرسغ من اليد والقدم.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»