سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٥ - الصفحة ٤٨٦
رأيت أبا بكر غير مرة عقيب الاذان يدعو ويبكي، وربما كان يضرب برأسه الحائط، حتى خشيت يوما أن يدمى رأسه، وما رأيت في جماعة مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه (1).
وسمعته غير مرة إذا أنشد بيتا، يفسده ويغيره حتى يذهب الوزن، وكان يضرب المثل بعقله (2) ورأيه.
وسئل عمن يدرك الركوع ولم يقرأ الفاتحة، فقال: يعيد الركعة (3).
ثم قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب القزويني، حدثنا سعيد بن يحيى الأصبهاني، حدثنا سعير بن الخمس، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: " من أحب أن يلقى الله غدا مسلما، فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن ".
قال الحاكم: كتب عني الدارقطني هذا، وقال: ما كتبته عن أحد قط. ورواه الخليلي عن الحاكم وقال الخليلي: رواه ابن مندة عن الصبغي، وقال ابن مندة: كتبه عني أبو الشيخ الحافظ. رواه جماعة عن الهجري. وما جاء عن سعير إلا من هذا الوجه، عن أبي إسحاق، وهو إبراهيم الهجري (4) لا السبيعي، ثم بالغ الخليلي في تعظيمه.

(1) المصدر السابق.
(2) المصدر السابق.
(3) انظر " طبقات الشافعية ": 3 / 11.
(4) وهو لين الحديث، كما قال الحافظ في " التقريب "، وقال ابن عدي: أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص، عن عبد الله وعامتها مستقيمة، وقال البزار: رفع أحاديث وقفها غيره. وهو في سنن ابن ماجة (777) من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق إبراهيم الهجري بهذا الاسناد، قلت: ولم ينفرد به إبراهيم الهجري عن الأحوص، فقد تابعه علي بن الأقمر عند مسلم (654) (257)، والنسائي 2 / 108، 109، فالأثر صحيح ونصه بتمامه عند مسلم: " فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف ".
(٤٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 481 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 ... » »»