سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥٤
هذا باطل (1)، فقال: تدعي الغيب؟ قلت: ما هذا ادعاء غيب. قال: فما الدليل على ما قلت؟ قلت: سل عما قلت، من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف [ولم نقله إلا بفهم]. قال: (2) ويقول أبو زرعة كقولك؟ قلت: نعم، قال: هذا عجب. قال: فكتب في كاغد (3) ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إلي، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث، فقال: ما قلت إنه كذب، قال أبو زرعة: هو باطل.
قلت: الكذب والباطل واحد، قال: وما قلت: إنه منكر، قال: هو منكر، كما قلت، وما قلت: إنه صحيح، قال: هو صحيح. ثم قال: ما أعجب هذا! تتفقان من غير مواطأة فيما بينكما. قلت: فعند ذلك علمت أنا لم نجازف (4)، وأنا قلنا بعلم ومعرفة قد أوتيناه، والدليل على صحة ما نقوله أن دينارا بهرجا يحمل إلى الناقد، فيقول: هذا بهرج. فإن قيل له: من أين قلت: إن هذا بهرج؟ هل كنت حاضرا حين بهرج هذا الدينار؟ قال: لا.
وإن قيل: أخبرك الذي بهرجه؟ قال: لا. قيل: فمن أين قلت؟ قال:
علما رزقته. وكذلك نحن رزقنا معرفة ذلك، وكذلك إذا حمل إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج، يعرف ذا من ذا، ويقول كذلك. وكذلك نحن رزقنا علما، لا يتهيأ له أن نخبر [ك] كيف علمنا بأن هذا كذب، أو هذا منكر، فنعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاما يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته.

(1) زاد في " الجرح " هنا: " وأن هذا الحديث كذب ".
(2) وزاد هنا أيضا: " من هو الذي يحسن مثل ما تحسن؟ قلت: أبو زرعة. قال:
ويقول... ".
(3) الكاغد: القرطاس.
(4) عبارة " الجرح ": " قلت: فقد ذلك أنا لم نجازف ".
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»