سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥٧
غدا علي، فقال: مر بنا إلى المشايخ. قلت: أنا ضعيف لا يمكنني.
قال: ما ضعفك؟ قلت: لا أكتمك [أمري، قد] مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا، قفال: قد بقي معي دينار، فنصفه لك، ونجعل النصف الآخر في الكراء، فخرجنا من البصرة، وأخذت منه النصف دينار (1).
وسمعت أبي يقول: خرجنا من المدينة، من عند داود الجعفري، وصرنا إلى الجار وركبنا البحر، فكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا (2)، وخرجنا إلى البر نمشي أياما، حتى فني ما تبقى معنا من الزاد والماء، فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب، ويوم الثاني كمثل، ويوم الثالث، فلما كان يكون المساء صلينا، وكنا نلقي بأنفسنا [حيث كنا]، فلما أصبحنا في اليوم الثالث، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا، وكنا ثلاثة أنفس: شيخ نيسابوري، وأبو زهير المروروذي، فسقط الشيخ مغشيا عليه، فجئنا نحركه وهو لا يعقل، فتركناه، ومشينا قدر فرسخ، فضعفت، وسقطت مغشيا علي، ومضى صاحبي يمشي، فبصر من بعد قوما، قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى، فلما عاينهم، لوح بثوبه إليهم، فجاؤوه معهم ماء في إداوة (3).
فسقوه وأخذوا بيده، فقال لهم: الحقوا رفيقين لي، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي، ففتحت عيني، فقلت: اسقني، فصب من الماء في مشربة قليلا، فشربت، ورجعت إلي نفسي، ثم سقاني قليلا، وأخذ بيدي، فقلت: ورائي شيخ ملقى، فذهب جماعة إليه، وأخذ بيدي، وأنا

(١) انظر: الجرح والتعديل: ١ / 363 - 364. والزيادة منه.
(2) أضاف هنا في " الجرح ": " من الزاد، وبقيت بقية ".
(3) الإداوة: المطهرة، وهي إناء صغير يحمل فيه الماء.
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»