سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٣٧٨
غالبا، ويمرض، فيبقى أيام مرضه متغير القوة الحافظة، ويموت إلى رحمة الله على تغيره، ثم قبل موته بيسير يختلط ذهنه، ويتلاشى علمه، فإذا قضى، زال بالموت حفظه. فكان ماذا؟ أفبمثل هذا يلين عالم قط؟! كلا، والله، ولا سيما مثل هذا الجبل في حفظه وإتقانه.
نعم ما علمنا استغربوا من حديث ابن راهويه على سعة علمه سوى حديث واحد، وهو حديثه عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة في الفأرة التي وقعت في سمن، فزاد إسحاق في المتن من دون سائر أصحاب سفيان هذه الكلمة " وإن كان ذائبا، فلا تقربوه " (1). ولعل الخطأ فيه من بعض المتأخرين، أو من راويه عن إسحاق.

(1) أخرجه البخاري 9 / 576 في الذبائح والصيد: باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب، والترمذي (1799) في الأطعمة: باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن، وأبو داود (3841) في الأطعمة: باب في الفأرة تقع في السمن، والنسائي 7 / 178 من طريق سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أنه سمع ابن عباس يحدثه عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن، فماتت، فسئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عنها، فقال: " ألقوها وما حولها، وكلوه ".
ووقع في " مسند " إسحاق بن راهويه، ومن طريقه أخرجه ابن حبان (1364)، بلفظ: " إن كان جامدا، ألقى ما حولها، وأكله. وإن كان مائعا، لم يقربه ". وأخرجه بهذا التفصيل عبد الرزاق في " المصنف " رقم (278)، وأبو داود (3842)، وأحمد 2 / 232، 233، و 265 و 490 من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
قال الحافظ في " الفتح ": اختلف عن معمر فيه، فأخرجه ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى بغير تفصيل، ووقع عند النسائي من رواية أبي القاسم، عن مالك وصف السمن في الحديث بأنه جامد، وكذا وقع عند أحمد من رواية الأوزاعي، عن الزهري، وكذا عند البيهقي من رواية حجاج بن منهال، عن ابن عيينة، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن سفيان.
والزيادة التي وقعت في رواية إسحاق بن راهويه، عن سفيان، تفرد بها عن سفيان دون حفاظ أصحابه مثل أحمد والحميدي ومسدد وغيرهم، وبينوا غلط معمر فيه على الزهري. ونقل ابن تيمية في " الفتاوى " 21 / 488، 502 أن أهل المعرفة بالحديث متفقون على أن معمرا كثير الغلط على الزهري، وقد توسع في التدليل على ذلك. وقال في قوله: ".. فلا تقربوه ": هو متروك عند عامة السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة، فإن جمهورهم يجوزون الاستصباح به، وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره، وهذا مخالف لقوله: "... فلا تقربوه ". وانظر " شرح العلل " 2 / 721، 723 لابن رجب.
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»