سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٣٧١
حنبل، يقول: لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا (1).
وقال محمد بن أسلم الطوسي، حين مات إسحاق: ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق، يقول الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) (2) (فاطر: 28). قال: وكان أعلم الناس. ولو كان سفيان الثوري في الحياة، لاحتاج إلى إسحاق.
وقال أحمد بن سعيد الرباطي: لو كان الثوري والحمادان في الحياة، لاحتاجوا إلى إسحاق في أشياء كثيرة.
قال أبو محمد الدارمي: ساد إسحاق أهل المشرق والمغرب بصدقه.
قال محمد بن إسحاق السراج: أنشد رجل على قبر إسحاق، فقال:

(١) وهكذا يكون عظماء الرجال في اتساع صدورهم، وتقدير جهود غيرهم، والإشادة بفضلهم. فان اختلاف الأئمة المجتهدين في فهم نصوص الكتاب والسنة وما تدل عليه ظاهرة طبيعية في شريعة الاسلام، لان أكثر نصوصه ظنية الدلالة، وهذا الاختلاف مما أراده الله تعالى ورضيه، فهو رحمة وتوسعة ومجال للتنافس والابداع. ولقد كان من أثره هذا التراث الضخم الذي تحفل به المكاتب الاسلامية من المؤلفات المتنوعة. واختلافهم في القرآن إنما هو في بعض ما استنبط منه من أحكام نتيجة للخلاف في فهمه، لخفاء في دلالته بسبب من الأسباب، كالاشتراك في لفظه، والتخصيص في عامه، أو التقييد في مطلقه، أو ورود نسخ عليه، أو غير ذلك من الأسباب المبينة في مظانها. واختلافهم في السنة لا يقتصر على اختلافهم فيما تدل عليه الأحاديث وما يراد منها، كما هو الحال في آي القرآن، بل يتجاوز ذلك، فيختلفون في الحكم على الحديث صحة وضعفا، فيرى بعضهم صحيحا ما يراه الآخر ضعيفا، إلى غير ذلك من أسباب الاختلاف الكثيرة التي بينها العلماء في مؤلفاتهم. وأما الآيات التي وردت في ذم الخلاف، والنهي عنه، والتحذير منه، فالمراد منه الخلاف المذموم الذي ينجم عنه التعصب والحقد وطعن الخصم في عرضه ودينه والافتئات عليه بما هو منه برئ.
(2) قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر ". انظر تفسير الآية بتوسع في " تفسير ابن كثير والبغوي " 7 / 60.
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»