وفيه دليل على أن النفاق يتبعض ويتشعب، كما أن الايمان ذو شعب ويزيد وينقص، فالكامل الايمان من اتصف بفعل الخيرات، وترك المنكرات وله قرب ماحية لذنوبه، كما قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) (الأنفال: 2) إلى قوله: (أولئك هم المؤمنون حقا) (الأنفال: 4) وقال: (قد أفلح المؤمنون) (المؤمنون: 1) إلى قوله:
(أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس) (المؤمنون: 10 و 11) ودون هؤلاء خلق من المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ودونهم عصاة المسلمين، ففيهم إيمان ينجون به من خلود عذاب الله تعالى وبالشفاعة. ألا تسمع إلى الحديث المتواتر " أنه يخرج من النار من في قلبه وزن ذرة من إيمان " (1) وكذلك شعب النفاق من الكذب والخيانة والفجور والغدر والرياء، وطلب العلم ليقال، وحب الرئاسة والمشيخة، وموادة الفجار والنصارى. فمن ارتكبها كلها، وكان في قلبه غل النبي صلى الله عليه وسلم، أو حرج من قضاياه، أو يصوم رمضان غير محتسب، أو يجوز أن دين النصارى أو اليهود دين مليح، ويميل إليهم. فهذا لا ترتب في أنه كامل النفاق، وأنه في الدرك الأسفل من النار، وصفاته الممقوتة عديدة في الكتاب والسنة من قيامه إلى الصلاة كسلان، وأدائه الزكاة وهو كاره، وإن عامل الناس فبالمكر والخديعة، قد اتخذ إسلامه جنة، نعوذ بالله من النفاق، فقد خافه سادة الصحابة على نفوسهم.
فإن كان فيه شعبة من نفاق الأعمال، فله قسط من المقت حتى يدعها، ويتوب منها، أما من كان في قلبه شك من الايمان بالله ورسوله،