سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٥٣
عطش، فقال لصاحب الشراب: ناولني، فناوله قدحا فيه ماء وثلج، فأخذه ونظر فيه، ثم رده، ولم يشرب، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش، وهو فيما هو فيه من الهول!
قال صالح: فكنت ألتمس وأحتال أن أوصل إليه طعاما أو رغيفا في تلك الأيام، فلم أقدر. وأخبرني رجل حضره: أنه تفقده في الأيام الثلاثة وهم يناظرونه، فلما لحن في كلمة. قال: وما ظننت أن أحدا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله، يقول: ذهب عقلي مرارا، فكان إذا رفع عني الضرب، رجعت إلي نفسي. وإذا استرخيت وسقطت، رفع الضرب، أصابني ذلك مرارا. ورأيته، يعني: المعتصم، قاعدا في الشمس بغير مظلة، فسمعته، وقد أفقت (1)، يقول لابن أبي دواد، لقد ارتكبت (إثما) في أمر هذا الرجل. فقال: يا أمير المؤمنين، إنه - والله - كافر مشرك، قد أشرك من غير وجه. فلا يزال به حتى يصرفه عما يريد. وقد كان أراد تخليتي بلا ضرب، فلم يدعه، ولا إسحاق بن إبراهيم.
قال حنبل: وبلغني أن المعتصم، قال لابن أبي دواد بعدما ضرب أبو عبد الله: كم ضرب؟ قال: أربعة أو نيفا وثلاثين سوطا.
قال أبو الفضل عبيد الله الزهري: قال المروذي: قلت، وأبو عبد الله بين الهنبازين (2): يا أستاذ، قال الله تعالى: (لا تقتلوا أنفسكم) (النساء: 29). قال: يا مروذي، اخرج وانظر. فخرجت إلى رحبة دار

(1) في " تاريخ الاسلام ": " أوقفت ".
(2) في " تاريخ الاسلام ": " الهنبارين "، بالراء المهملة.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»