سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٠ - الصفحة ٩٥
ولا ريب أن الامام لما سكن مصر، وخالف أقرانه من المالكية، ووهى بعض فروعهم بدلائل السنة، وخالف شيخه في مسائل، تألموا منه، ونالوا منه، وجرت بينهم وحشة، غفر الله للكل، وقد اعترف الامام سحنون، وقال: لم يكن في الشافعي بدعة. فصدق والله، فرحم الله الشافعي، وأين مثل الشافعي والله! في صدقه، وشرفه، ونبله، وسعة علمه، وفرط ذكائه، ونصره للحق، وكثرة مناقبه، رحمه الله تعالى.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب في مسألة الاحتجاج بالامام الشافعي، فيما قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن عبد المعز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، أخبرنا الخطيب قال: سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في " الجامع "؟ وذكر أن بعض من يذهب إلى رأي أبي حنيفة ضعف أحاديث الشافعي، واعترض بإعراض البخاري عن روايته، ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس، لكان أولى الأشياء الاعراض عن اعتراض الجهال، وتركهم يعمهون، وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي، فأجبته بما فتح الله لي، ومثل الشافعي من حسد، وإلى ستر معالمه قصد، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر من كل حق مستوره، وكيف لا يغبط من حاز الكمال، بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل، أو ذاهب العقل. ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الامام ومناقبه، وتعظيم الأئمة له، وقال:
أبى الله إلا رفعه وعلوه * وليس لما يعليه ذو العرش واضع إلى أن قال: والبخاري هذب ما في " جامعه "، غير أنه عدل عن كثير من الأصول إيثارا للايجاز، قال إبراهيم بن معقل: سمعت البخاري يقول:
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»