ويجعل في طسوت كبار، تدلى من عند القبيبة بسلاسل وحبال، فتضئ لها الغوطة، فيبصرها بالليل.
وكان لأبي مسهر حلقة في الجامع بين العشاءين عند حائط الشرقي، فبينا هو ليلة، إذ قد دخل الجامع ضوء عظيم، فقال أبو مسهر:
ما هذا؟ قالوا: النار التي تدلى من الجبل لأمير المؤمنين حتى تضئ له الغوطة. فقال: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) الآية [الشعراء: 128 و 129]. وكان في الحلقة صاحب خبر للمأمون، فرفع ذلك إلى المأمون، فحقدها عليه، وكان قد بلغه أيضا أنه كان على قضاء أبي العميطر.
فلما رحل المأمون، أمر بحمل أبي مسهر إليه، فامتحنه بالرقة في القرآن.
قلت: قد كان المأمون بأسا وبلاء على الاسلام.
أبو الدحداح أحمد بن محمد: حدثنا الحسن بن حامد النيسابوري، حدثني أبو محمد، سمعت أصبغ - وكان مع أبي مسهر هو وابن أبي النجا خرجا معه يخدمانه - فحدثني أصبغ أن أبا مسهر دخل على المأمون بالرقة، وقد ضرب رقبة رجل وهو مطروح، فأوقف أبا مسهر في الحال، فامتحنه، فلم يجبه، فأمر به، فوضع في النطع ليضرب عنقه، فأجاب إلى خلق القرآن، فأخرج من النطع، فرجع عن قوله، فأعيد إلى النطع، فأجاب، فأمر به أن يوجه إلى العراق، ولم يثق بقوله، فما حذر، وأقام عند إسحاق بن إبراهيم - يعني نائب بغداد - أياما لا تبلغ مئة يوم، ومات رحمه الله (1).