سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٩ - الصفحة ١٤٩
فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر.
وقال أبو سعيد الأشج: حدثنا إبراهيم بن وكيع، قال: كان أبي يصلي، فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى جارية لنا سوداء.
عباس: حدثنا يحيى بن معين: سمعت وكيعا يقول كثيرا: وأي يوم لنا من الموت؟ ورأيته أخذ في كتاب " الزهد " يقرؤه، فلما بلغ حديثا منه، ترك الكتاب، ثم قام، فلم يحدث، فلما كان من الغد، وأخذ فيه، بلغ ذلك المكان، قام أيضا، ولم يحدث، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام. قلت ليحيى: وأي حديث هو؟ قال: حديث " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " (1).
قال ابن عمار: كان وكيع يصوم الدهر، ويفطر يوم الشك والعيد، وأخبرت أنه كان يشتكي إذا أفطر في هذه الأيام.
وعن سفيان بن وكيع، قال: كان أبي يجلس لأصحاب الحديث من بكرة إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف، فيقيل، ثم يصلي الظهر، ويقصد الطريق إلى المشرعة (2) التي يصعد منها أصحاب الروايا (3)،

(1) " تاريخ ابن معين ": 631، 632، وحديث " كن في الدنيا. " أخرجه البخاري 11 / 199، 200 في الرقاق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " كن في الدنيا كأنك غريب " من طريق علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن الأعمش، حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال:
" كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل " وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت، فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. وأخرجه الترمذي (2333) في الزهد: باب ما جاء في قصر الأمل، وابن ماجة (4114) في الزهد: باب مثل الدنيا، وأحمد 2 / 24، و 41 من طريق الليث بن سعد، عن مجاهد، عن ابن عمر.
(2) المشرعة: المواضع التي ينحدر إلى الماء منها، والمشرعة: مورد الشاربة التي يشرعها الناس، فيشربون منها ويستقون. وفي " تاريخ بغداد ": ويقصد طريق المشرعة.
(3) جمع راوية: المزادة فيها الماء، والدابة التي يستقى عليها الماء.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»