سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٨ - الصفحة ٩٣
وصار الناس اليوم في الدنيا إلى خمسة مذاهب، فالخامس: هو مذهب الداوودية. فحق على طالب العلم أن يعرف أولاهم بالتقليد، ليحصل على مذهبه. وها نحن نبين أن مالكا رحمه الله هو ذلك، لجمعه أدوات الإمامة وكونه أعلم القوم.
ثم وجه القاضي دعواه، وحسنها ونمقها، ولكن ما يعجز كل واحد من حنفي، وشافعي، وحنبلي، وداوودي، عن ادعاء مثل ذلك لمتبوعه، بل ذلك لسان حاله، وإن لم يفه به.
ثم قال القاضي عياض: وعندنا ولله الحمد لكل إمام من المذكورين مناقب، تقضي له بالإمامة (1).
قلت: ولكن هذا الامام الذي هو النجم الهادي قد أنصف، وقال قولا فصلا، حيث يقول: كل أحد يؤخذ من قوله، ويترك، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم.
ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها، وسعة علم، وحسن قصد، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير

(1) راجع الفصل الذي كتبه القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 89، 102 في ترجيح مذهب الامام على غيره من الأئمة، فإنك ستعلم أن الامام الذهبي كان محقا في تعقبه ونقده في مواطن من كلامه، فقد كتب هذا الفصل يدافع التعصب المقيت الحامل على الغلو والاطراء في المدح، وإضفاء صفة الكمال والعصمة لغير من هي له، ونسبة أقوال إلى غيره من الأئمة لا تصح عنهم، يلزم عنها الطعن فيهم والنبيل منهم، فالامام مالك رحمه الله مع كونه صاحب فضل وعلم، واجتهاد وورع، هو كغيره من الأئمة المجتهدين، يصيب ويخطئ، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ، فله أجر واحد، وقد انتقده غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما في أكثر من مسألة وبينوا أن الصواب في غير ما ذهب إليه، وذلك مدون في مظانه من كتب الخلاف، وجاء في " حلية الأولياء " 6 / 323 عن سعيد بن سليمان قال: قلما سمعت مالكا يفتي بشئ إلا تلا هذه الآية: (إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) ولست أشك في أن الامام مالكا لو رأى الذي كتبه القاضي عياض لتبرأ منه، وأنحى بالأئمة عليه.
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»