سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٨٥
ذكرت جليلا، وخوفت عظيما، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالاثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها، فأحلف بالله: ما الله أردت، إنما أردت أن يقال: قام، فقال، فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، واهتبلها [من] الله، ويلك [إني قد غفرتها] (1)!. وعاد إلى خطبته كأنما يقرأ من كتاب.
قال مبارك الطبري: حدثنا أبو عبيد الله الوزير، سمع المنصور يقول:
الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
وقيل: إن عمرو بن عبيد وعظ المنصور فأبكاه، وكان يهاب عمرا ويكرمه، وكان أمر له بمال فرده.
وقيل: إن عبد الصمد عمه قال: يا أمير المؤمنين! لقد هجمت بالعقوبة، حتى كأنك لم تسمع بالعفو. قال: لان بني أمية لم تبل رممهم، وآل علي لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة، ولا تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو.
وقيل: دخل عليه هشام بن عروة فقال: اقض ديني. قال: وكم هو؟.
قال: مئة ألف، قال: وأنت في فقهك وفضلك تأخذ مئة ألف، ليس عندك قضاؤها!؟، قال: شب فتيان لي، فأحببت أن أبوئهم، وخشيت أن ينتشر علي أمرهم، واتخذت لهم منازل، وأولمت عليهم، ثقة بالله وبأمير المؤمنين (2)

(1) الخبر في " تاريخ الخلفاء ": 264، والزيادة منه، ورواية الطبري: 8 / 90: " ويلك لو هممت، فاهتبلها إذ غفرت ". و: اهتبلها، أي: اغتنمها.
(2) ما إخال هذا يصح عن هشام بن عروة، فإنه لا يخفى عليه عدم جواز مثل هذا التركيب، وأن الوجه فيه أن يقول: ثقة بالله، ثم بأمير المؤمنين، فإنه قد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن رجلا قال له: يا رسول الله! ما شاء الله وشئت، فقال له - صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني لله ندا؟
قل: ما شاء الله ثم شئت ".
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»