ذكرت جليلا، وخوفت عظيما، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالاثم، والموعظة منا بدت، ومن عندنا خرجت، وأنت يا قائلها، فأحلف بالله: ما الله أردت، إنما أردت أن يقال: قام، فقال، فعوقب، فصبر، فأهون بها من قائلها، واهتبلها [من] الله، ويلك [إني قد غفرتها] (1)!. وعاد إلى خطبته كأنما يقرأ من كتاب.
قال مبارك الطبري: حدثنا أبو عبيد الله الوزير، سمع المنصور يقول:
الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
وقيل: إن عمرو بن عبيد وعظ المنصور فأبكاه، وكان يهاب عمرا ويكرمه، وكان أمر له بمال فرده.
وقيل: إن عبد الصمد عمه قال: يا أمير المؤمنين! لقد هجمت بالعقوبة، حتى كأنك لم تسمع بالعفو. قال: لان بني أمية لم تبل رممهم، وآل علي لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة، ولا تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو.
وقيل: دخل عليه هشام بن عروة فقال: اقض ديني. قال: وكم هو؟.
قال: مئة ألف، قال: وأنت في فقهك وفضلك تأخذ مئة ألف، ليس عندك قضاؤها!؟، قال: شب فتيان لي، فأحببت أن أبوئهم، وخشيت أن ينتشر علي أمرهم، واتخذت لهم منازل، وأولمت عليهم، ثقة بالله وبأمير المؤمنين (2)