سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ١٤٣
عظيم. فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث، لأنه رآه منسوخا. وقيل: عمل به وحمل قوله: " حتى يتفرقا " على التلفظ بالايجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث، وفي كل حديث، له أجر ولا بد، فإن أصاب، ازداد أجرا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية (1). وبكل حال فكلام الاقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلانقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه، ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه، بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد، فلعلها لم تصح.
كتب إلي مؤمل البالسي وغيره أن أبا اليمن الكندي أخبرهم: أنبأنا القزاز (2)، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو سعيد الصيرفي، حدثنا الأصم، حدثنا عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي ذئب سمع عكرمة.
وبه: قال الخطيب: أنبأنا الجوهري، أنبأنا المرزباني، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، حدثنا أبو العيناء، قال: لما حج المهدي، دخل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق أحد إلا قام، إلا ابن أبي ذئب، فقال له المسيب بن زهير: قم، هذا أمير المؤمنين. فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين. فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي.
وبه: قال أبو العيناء: وقال ابن أبي ذئب للمنصور: قد هلك الناس، فلو أعنتهم من الفئ. فقال: ويلك، لولا ما سددت من الثغور، لكنت تؤتى في منزلك، فتذبح. فقال ابن أبي ذئب: قد سد الثغور، وأعطى الناس من هو

(1) الحرورية: هم الخوارج، ونسبتهم هذه إلى: حروراء: وهو موضع بظاهر الكوفة، وبه كان أول اجتماعهم وتحكيمهم حين خالفوا عليا - رضي الله عنه - وخرجوا عليه.
(2) انظر " تبصير المنتبه " 3 / 1168.
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»