سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ١٢٩
يريد أن يقتل رجلا - فقلت: قد كان بينك وبينهم عهود. فقال: ويحك!
اجعلني وإياهم لا عهد بيننا. فأجهشت (1) نفسي، وكرهت القتل، فذكرت مقامي بين يدي الله عز وجل، فلفظتها، فقلت: دماؤهم عليك حرام، فغضب، وانتفخت عيناه وأوداجه، فقال لي: ويحك، ولم؟! قلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: ثيب زان، ونفس بنفس، وتارك لدينه " (2). قال: ويحك، أوليس الامر لنا ديانة؟!
قلت: وكيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أوصى إلى علي؟
قلت: لو أوصى إليه ما حكم الحكمين. فسكت، وقد اجتمع غضبا، فجعلت أتوقع رأسي تقع بين يدي، فقال بيده: هكذا - أومأ أن أخرجوه - فخرجت، فركبت دابتي، فلما سرت غير بعيد، إذا فارس يتلوني، فنزلت إلى الأرض، فقلت: قد بعث ليأخذ رأسي، أصلي ركعتين، فكبرت، فجاء - وأنا قائم أصلي - فسلم، وقال: إن الأمير قد بعث إليك بهذه الدنانير فخذها. فأخذتها، ففرقتها قبل أن أدخل منزلي. فقال سفيان: ولم أردك أن تحيد حين قال لك ما قال.
الوليد بن مزيد: سمع الأوزاعي يقول: لا ينبغي للامام أن يخص نفسه بشئ من الدعاء، فإن فعل فقد خانهم (3).

(1) أجهشت: خافت وفزعت.
(2) تقدم تخريجه ص 124، حا: 2 (3) مستنده ما أخرجه أبو داود: (90)، في الطهارة: باب أيصلي الرجل وهو حاف، والترمذي: (357)، في الصلاة: باب ما جاء في كراهية أن يخص الامام نفسه بالدعاء، وابن ماجة: (923)، في إقامة الصلاة، من طريق حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ثلاث لا يحل لاحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف ". وأبو حي المؤذن هو شداد ابن حي، ولم يوثقه غير ابن حبان، ويزيد بن شريح، قال الحافظ في " التقريب ": مقبول، أي:
حيث يتابع، وإلا فهو لين. وأخرجه أحمد أيضا: 5 / 250، 260، 261، عن السفر بن نسير، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة. والسفر بن نسير ضعيف.
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»