سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٥ - الصفحة ١٢٦
قالوا: فمن؟ ففتحت الكتاب، فإذا فيه: عمر بن عبد العزيز، فتغيرت وجوه بني عبد الملك، فلما سمعوا: " وبعده يزيد " تراجعوا، وطلب عمر فإذا هو في المسجد، فأتوه، وسلموا عليه بالخلافة فعقر (1)، فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه، فأصعدوه المنبر، فجلس طويلا لا يتكلم، فقال رجاء: ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه، فنهضوا إليه، ومد يده إليهم، فلما مد هشام بن عبد الملك يده إليه، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال عمر: نعم إنا لله، حين صار يلي هذه الأمة أنا وأنت، ثم قام، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: أيها الناس! إني لست بفارض، ولكني منفذ، ولست بمبتدع، ولكني متبع، وإن من حولكم من الأمصار إن أطاعوا كما أطعتم، فأنا واليكم، وإن هم أبوا فلست لكم بوال، ثم نزل، فأتاه صاحب المراكب، فقال: لا ائتوني بدابتي، ثم كتب إلى عمال الأمصار. قال رجاء: كنت أظن أنه سيضعف، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى.
قال عمرو بن مهاجر: صلى عمر المغرب، ثم صلى على سليمان.
قال ابن إسحاق: مات سليمان يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين.
قال خالد بن مرداس، حدثنا الحكم بن عمر، شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب مراكب الخلافة يسألونه العلوفة ورزق خدمها، قال: ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها، واجعل أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء.
وعن الضحاك بن عثمان قال: لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان، قدموا له مراكب سليمان، فقال:

(1) العقر بفتحتين: أن يفجأه الروع، فلا يقدر أن يتقدم أو يتأخر دهشا، وبابه طرب ومنه قول عمر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر فتلا * (إنك ميت وإنهم ميتون) *: فعقرت حتى خررت إلى الأرض.
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»