سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٩
فربع رأسه، فأتم بقية صلاته، ثم رد عليه السلام، فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك، فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة؟ قالوا: لابد، فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب، فقال الراهب: يا معشر الفرسان أصبتم صاحبكم؟ قالوا: نعم. فقال: اصعدوا، فإن اللبوة والأسد يأويان حول الدير. ففعلوا وأبى سعيد أن يدخل. فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا، قال: لا، ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدا، قالوا: فإنا لا ندعك، فإن السباع تقتلك، قال: لا ضير، إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسا تحرسني، قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب. قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة. فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد، قال، إني أعطي العظيم الذي لا شريك له، لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله. فرضي الراهب بذلك، فقال لهم:
اصعدوا وأوتروا القسي لتنفروا السباع عن هذا العبد الصالح، فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم. فلما صعدوا وأوتروا القسي، إذا هم بلبوة قد أقبلت، فلما دنت من سعيد، تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه.
وأقبل الأسد يصنع كذلك. فلما رأى الراهب ذلك وأصبحوا، نزل إليه، فسأله عن شرائع دينه، وسنن رسوله، ففسر له سعيد ذلك كله، فأسلم، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبلون يديه ورجليه، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون: يا سعيد، حلفنا الحجاج بالطلاق والعتاق، إن نحن رأيناك لا ندعك حتى نشخصك إليه، فمرنا بما شئت، قال: امضوا لامركم، فإني لائذ بخالقي (1) ولا راد لقضائه، فساروا حتى بلغوا واسطا فقال سعيد: قد تحرمت بكم وصحبتكم، ولست أشك أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذ أهبة الموت، وأستعد لمنكر ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم

1) في الأصل " فإني لا ند لخالقي " والصواب ما أثبتناه من الحلية.
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»