فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ها هنا (1) رجل من القرنيين؟ فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن رجلا يأتيكم من اليمن، يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم، فمن لقيه [منكم فمروه] (2) فليستغفر لكم " قال عمر: فقدم علينا ها هنا. فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس. قلت: من تركت باليمن؟ قال: أما لي، قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم. قلت: استغفر لي. قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟! قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس منى، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. قال: وجعل الرجل يحقره عما يقول فيه عمر. فجعل يقول: ماذا فينا، ولا نعرف هذا (3). قال عمر: بلى، إنه رجل كذا، فجعل يضع (4) من أمره فقال: ذاك رجل عندنا نسخر به، فقال له:
أويس؟ قال: هو هو، أدرك ولا أراك تدرك. فأقبل الرجل حتى دخل عليه من قبل أن يأتي أهله، فقال أويس: ما كانت هذه عادتك، فما بدا لك؟ أنشدك الله، قال: لقيت عمر فقال كذا وقال كذا، فاستغفر لي، قال: لا أستغفر لك حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي، ولا تذكر ما سمعت من عمر إلى أحد، قال: لك ذاك، قال: فاستغفر له. قال أسير: فما لبث أن فشا حديثه بالكوفة، فأتيته فقلت: يا أخي، ألا أراك أنت العجب وكنا لا نشعر، قال: ما كان في هذا ما أتبلغ به إلى الناس وما يجزى كل عبد إلا بعمله. فلما فشا الحديث هرب فذهب (5).