بمصر سنة أربع وثمانين، فعقد عبد الملك لابنيه: الوليد وسليمان بالعهد، وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وعامله يومئذ على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي، فدعا الناس إلى البيعة، فبايعوا، وأبى سعيد بن المسيب أن يبايع لهما وقال: حتى أنظر، فضربه هشام ستين سوطا، وطاف به في تبان من شعر، حتى بلغ به رأس الثنية، فلما كروا به قال: أين تكرون بي؟ قالوا إلى السجن. فقال: والله لولا أني ظننته الصلب، ما لبست هذا التبان أبدا. فردوه إلى السجن، فحبسه وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه. فكتب إليه عبد الملك يلومه فيما صنع به ويقول: سعيد، كان والله أحوج إلى أن تصل رحمه من أن تضربه، وإنا لنعلم ما عنده خلاف (1).
وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن المسور بن رفاعة، قال: دخل قبيصة بن ذؤيب على عبد الملك بكتاب هشام بن إسماعيل يذكر أنه ضرب سعيدا وطاف به. قال قبيصة: يا أمير المؤمنين، يفتات عليك هشام بمثل هذا، والله لا يكون سعيد أبدا أمحل ولا ألج منه حين يضرب، لو لم يبايع سعيد ما كان يكون منه، وما هو ممن يخاف فتقه، يا أمير المؤمنين اكتب إليه.
فقال عبد الملك: اكتب أنت إليه عنى تخبره برأيي فيه، وما خالفني من ضرب هشام إياه. فكتب قبيصة بذلك إلى سعيد. فقال سعيد حين قرأ الكتاب: الله بيني وبين من ظلمني (2).
حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي، قال: دخلت على سعيد بن المسيب السجن فإذا هو قد ذبحت له شاة، فجعل الإهاب على ظهره، ثم جعلوا له بعد ذلك قضبا رطبا، وكان كلما نظر إلى عضديه قال: اللهم انصرني من هشام (2).