سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٣ - الصفحة ٣٠٧
السلام يا ابن رسول الله، يظنونه الحسين. فنزل القصر، ثم دعا مولى له، فأعطاه ثلاثة آلاف درهم، وقال: اذهب حتى تسأل عن الذي يبايع أهل الكوفة، فقل: أنا غريب، جئت بهذا المال يتقوى به، فخرج، وتلطف حتى دخل على شيخ يلي البيعة، فأدخله على مسلم، وأعطاه الدراهم، وبايعه، ورجع، فأخبر عبيد الله.
وتحول مسلم إلى دار هانئ بن عروة المرادي، فقال عبيد الله: ما بال هانئ لم يأتنا؟ فخرج إليه محمد بن الأشعث وغيره، فقالوا: إن الأمير قد ذكرك فركب معهم، وأتاه وعنده شريح القاضي، فقال عبيد الله: " أتتك بحائن رجلاه " (1) فلما سلم، قال: يا هانئ أين مسلم؟ قال: ما أدري، فخرج إليه صاحب الدراهم، فلما رآه، قطع به، وقال: أيها الأمير! والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء، فرمى نفسه علي. قال: ائتني به. قال:
والله لو كان تحت قدمي، ما رفعتهما عنه، فضربه بعصا، فشجه، فأهوى هانئ إلى سيف شرطي يستله، فمنعه. وقال: قد حل دمك، وسجنه.
فطار الخبر إلى مذحج، فإذا على باب القصر جلبة، وبلغ مسلما الخبر، فنادى بشعاره، فاجتمع إليه أربعون ألفا، فعبأهم، وقصد القصر، فبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة، فجمعهم عنده، وأمرهم، فأشرفوا من القصر على عشائرهم، فجعلوا يكلمونهم، فجعلوا يتسللون حتى بقي مسلم في خمس مئة، وقد كان كتب إلى الحسين ليسرع، فلما دخل الليل، ذهب أولئك، حتى بقي مسلم وحده يتردد في الطرق، فأتى بيتا! فخرجت إليه امرأة، فقال: اسقني، فسقته. ثم دخلت، ومكثت ما شاء الله. ثم خرجت، فإذا به على الباب، فقالت: يا هذا، إن مجلسك مجلس ريبة،

(1) مثل: يضرب للرجل يسعى إلى المكروه حتى يقع فيه، والحين: الهلاك، وقد حان الرجل: هلك، وأحانه الله، وكل شئ لم يوفق للرشاد، فقد حان.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»