فساءني إرساله إياي، فقلت: كنت أرجو أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، وما هذا اللبن في أهل الصفة!
ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فأتيتهم، فأقبلوا مجيبين، فلما جلسوا، قال: " خذ يا أبا هريرة، فأعطهم ". فجعلت أعطي الرجل، فيشرب حتى يروى، حتى أتيت على جميعهم; وناولته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رأسه إلي متبسما، وقال: " بقيت أنا وأنت ". قلت: صدقت يا رسول الله. قال: " فاشرب ". فشربت. فقال: " اشرب "، فشربت.
فما زال يقول: اشرب، فأشرب; حتى قلت: والذي بعثك بالحق، ما أجد له مساغا. فأخذ، فشرب من الفضلة (1).
القعنبي: حدثنا محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال:
خرجت يوما من بتي إلى المسجد، فوجدت نفرا، فقالوا: ما أخرجك؟
قلت: الجوع. فقالوا: ونحن والله ما أخرجنا إلا الجوع.
فقمنا، فدخلنا على رسول الله، فقال: " ما جاء بكم هذه الساعة "؟
فأخبرناه; فدعا بطبق فيه تمر، فأعطى كل رجل منا تمرتين. فقال: " كلوا هاتين التمرتين، واشربوا عليهما من الماء، فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا ".
فأكلت تمرة، وخبأت الأخرى، فقال: " يا أبا هريرة، لم رفعتها "؟