سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٥٢
وتدعوان إسافا ونائلة (1)، فأتتا علي في طوافهما. فقلت: أنكحا أحدهما الآخر. فما تناهتا عن قولهما (2)، فأتتا علي. فقلت: هن (3) مثل الخشبة، غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان، تقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا!
فاستقبلهما رسول الله، وأبو بكر، وهما هابطتان، فقال: ما لكما؟ قالتا:
الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر، ثم طاف بالبيت، هو وصاحبه، ثم صلى. وكنت أول من حياه بتحية الاسلام. قال: عليك ورحمة الله! من أين أنت؟ قلت: من غفار. فأهوى بيده، ووضع أصابعه على جبهته.
فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده، فدفعني (4) صاحبه، وكان أعلم به مني.
قال: ثم رفع رأسه، فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت: منذ ثلاثين من [بين] ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت، وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: " إنها مباركة، إنها طعام طعم " (5).

(1) إساف ونائلة: صنمان تزعم العرب أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا.
(2) كذا في الأصل وفي صحيح مسلم، ورواية ابن سعد في الطبقات: " فما ثناهما ذلك عن قولهما ".
(3) عنى به الذكر، وقوله: لا أكني، أراد أنه أفصح باسمه ولم يكن عنه.
(4) في الطبقات وصحيح مسلم: فقد عني، أي منعني وكفني.
(5) أي: يشبع الانسان إذا شرب ماءها كما يشبع من الطعام.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»