سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٥
قال المفصل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وعمير بن سعد، وشداد بن أوس.
علي بن المديني: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن رجل، عن مطرف بن الشخير، عن رجل أحسبه من بني مجاشع قال: انطلقنا نؤم البيت، فإذا نحن بأخبية بينها فسطاط; فقلت لصاحبي: عليك بصاحب الفسطاط، فإنه سيد القوم. فلما انتهينا إلى باب الفسطاط، سلمنا. فرد السلام. ثم خرج إلينا شيخ. فلما رأيناه، هبناه مهابة لم نهبها والدا قط ولا سلطانا. فقال: ما أنتما؟ قلنا: فتية تؤم البيت. قال: وأنا قد حدثتني نفسي بذلك، وسأصحبكم، ثم نادى. فخرج إليه من تلك الأخبية شباب!
فجمعهم، ثم خطبهم، وقال: إني ذكرت بيت ربي، ولا أراني إلا زائره.
فجعلوا ينتحبون عليه بكاء. فالتفت إلى شاب منهم. فقلت: من هذا الشيخ؟ قال: شداد بن أوس، كان أميرا، فلما أن قتل عثمان، اعتزلهم.
قال: ثم دعا لنا بسويق، فجعل يبس (1) لنا، ويطعمنا ويسقينا.
ثم خرجنا معه; فلما علونا في الأرض، قال لغلام له: اصنع لنا طعاما يقطع عنا الجوع يصغره كلمة قالها; فضحكنا. فقال: ما أراني إلا مفارقكما. قلنا: رحمك الله، إنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة، فلما تكلمت، لم نتمالك أن ضحكنا. فقال: أزودكما حديثا كان رسول الله يعلمنا في السفر والحضر. فأملى علينا، وكتبناه:
" اللهم، إني أسألك الثبات في الامر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك يقينا صادقا، وقلبا

(1) يقال: بس السويق والدقيق وغيرهما يبسه بسا: خلطه بسمن أو زيت، وهي البسيسة.
سير 2 / 30
(٤٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 ... » »»