دين، وإنا نريد لقاءهم، فكن أنت ها هنا. قلت: ما أنا بمفارقكم. فخرجوا وأنا معهم، فأصبحوا بين جبال، وإذا ماء كثير وخبز كثير، وإذا صخرة، فقعدنا عندها. فلما طلعت الشمس، خرجوا من بين تلك الجبال، يخرج رجل رجل من مكانه كأن الأرواح قد انتزعت منهم، حتى كثروا فرحبوا بهم وحفوا، وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد فيها عبدة نيران. فقالوا: ما هذا الغلام؟
وطفقوا يثنون علي، وقالوا: صحبنا من تلك البلاد. فوالله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف، فجاء فسلم، فحفوا به، وعظمه أصحابي، وقال: أين كنتم؟ فأخبروه، فقال: ما هذا الغلام؟ فأثنوا علي. فحمد الله وأثنى عليه، وذكر رسله، وذكر مولد عيسى ابن مريم، وأنه ولد بغير ذكر، فبعثه الله رسولا، وأجرى على يديه إحياء الموتى، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه، فيكون طيرا بإذن الله، وأنزل عليه الإنجيل، وعلمه التوراة، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل، فكفر به قوم، وآمن به قوم، إلى أن قال: فالزموا ما جاء به عيسى، ولا تخالفوا، فيخالف بكم. ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئا، فليأخذ. فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشئ، فقام إليه أصحابي الذين جئت معهم، فسلموا عليه، وعظموه، وقال لهم:
الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا، واستوصوا بهذا الغلام خيرا، وقال لي: يا غلام! هذا دين الله الذي تسمعني أقوله، وما سواه الكفر. قلت: ما أنا بمفارقك. قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي، إني ما أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد. قلت: ما أنا بمفارقك. قال له أصحابه: يا أبا فلان إن هذا لغلام ويخاف عليه. قال لي: أنت أعلم. قلت: فإني لا أفارقك. فبكى أصحابي لفراقي، فقال: يا غلام! خذ من هذا الطعام ما يكفيك للأحد الآخر، وخذ من الماء ما تكتفي به، ففعلته، فما رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا