وتوفي رحمه الله تعالى شهيدا بالطاعون قبل ظهر يوم الاثنين، السادس والعشرين من شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، عن عمر مبارك: ثمان وثمانين سنة، وثلاثة أشهر، وأربعة أيام. وصلي على جنازته بين الظهر والعصر في الجامع الأموي الكبير بحلب، ودفن بمقبرة أهله الملحقة بجامع أبي ذر، في حي الجبيلة، المعروف الآن، وكان الجمع على جنازته حاشدا مشهودا.
وكما أكرمه الله تعالى بالشهادة بالطاعون، أكرمه بالتمتع بعقله ووعيه وعلمه، " ولم يغب له عقل، بل مات وهو يتلو " (1).
أسرته: أم أسرته من جهة أبيه فلا يعرف عنها شئ.
وأما من جهة أمه: فهي عائلة عريقة بالعلم والأثر الصالح الكبير في مدينة حلب، ولا أدري، لعلها أعرق أسرة علمية فيها، فالذي وقفت عليه من رجالاتها العلماء زاد عددهم على ستة وأربعين رجلا، وخمس نسوة، كلهم علما، خلال أربعة قرون ونصف قرن.
ويكفيهم فخرا أنهم هم الذين نقلوا من بغداد إلى مدينة حلب تلك السنة الصالحة التي سنها نظام الملك، حيث أسس المدرسة النظامية ببغداد سنة 459، فدرس بها أحد أجدادهم، بل هو أول جد عرفته من هذه العائلة الكريمة، ولما رجع إلى حلب أسس فيها مدرسة على ذاك الطراز والمنهج، وتتالت بعدها المدارس الأخرى، وعمرت البلد بها، حتى إنك لا تكاد تمشي في كثير من أحيائها القديمة خطوات إلا وتمر بمدرسة إثر مدرسة.
وأم البرهان المترجم: هي السيدة عائشة بنت عمر بن محمد بن أحمد بن هاشم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن شرف الدين أبي طالب عبد الرحمن بن الحسن بن عبد الرحمن الحلبي ابن العجمي.
فجدها الأعلى: شرف الدين أبو طالب هو المؤسس لأول مدرسة علمية بحلب، الذي أشرت إليه.
وابن أخيه أحمد بن عبد الرحيم: هو صاحب الخانقاه الشمسية التي يأتي الحدث عنها باختصار.
وحفيده شرف الدين أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن شرف الدين أبي طالب عبد الرحمن، هو صاحب المدرسة الشرفية التي كانت مقرا للبرهان الحلبي، ويأتي الكلام عنها باختصار أيضا.
فهي من سلالة أئمة علماء فضلاء، وكان لها أيضا صلة شخصية بالعلم، حتى إن ابنها البرهان سمع منها.
ولما لهذه العائلة الكبيرة من فضل على العلم والعلماء، ولما لها من عراقة وأصالة، أحببت أن أسرد أسماء من وقفت على اسمه منهم، مرتبا لهم حسب تسلسلهم في الوفاة، ولزيادة الاستيفاء يحسن استقراء " الدرر الكامنة " و " الضوء اللامع "، والأهم منهما " كنوز الذهب في تاريخ حلب " لأبي ذر الحلبي ولد البرهان المترجم.